بغداد/ بشير خزعل
رغم الأوقات الصعبة التي تمر على دول العالم مع استمرار انتشار فيروس كورونا وتزايد أعداد الإصابات والوفيات، ما ادى الى توقف اغلب مظاهر الحياة، الا انه ظهرت بعض الآثار الايجابية في نواح اخرى انعكست على البيئة بالذات ، فمع دخول دول كثيرة في حالة إغلاق تام بسبب الفيروس، حدث تراجع كبير في مستويات التلوث. وانخفضت غازات اوكسيد الكاربون واكاسيد النيتروجين وهي اخطر ملوثات الهواء واحد اسباب ارتفاع درجات الحرارة في الجو.
انتعاش
دول صناعية كثيرة سجلت انخفاضاً بنسبة 50 % في غاز اول اوكسيد الكاربون الذي ينبعث من السيارات والمعامل ، اذ اكد باحثون ومختصون في مجال البيئة ان البيئة العالمية تشهد حالة استرخاء وانتعاش بعد توقف اغلب الانشطة الصناعية التي انهكتها واضرت بها بشكل كبير جداً.
بيئة العراق
مع فرض حظر التجوال توقفت اغلب الورش والمعامل والسيارات في جميع المدن العراقية عن العمل وتراجع الطلب على مختلف انواع الوقود الى اكثر من النصف ، يقول الباحث والمختص في مجال البيئة سلام حسن الجنابي : تضررت البيئة في العراق والعالم بشكل كبير ومخيف جدا بسبب الانتهاكات المستمرة للانشطة الصناعية التي تتزايد بشكل مستمر، الامر الذي ادى الى حدوث متغيرات بيئية كبيرة ستنعكس مستقبلا على شكل كوارث طبيعية مدمرة، في العراق لا توجد تلك الانشطة الصناعية الكبيرة كالمعامل النووية ومعامل الاسلحة البايولوجية او باقي الصناعات الكيميائية الاخرى ، لكن الانتهاكات على البيئة في اغلب المدن العراقية كثيرة ومتنوعة بدءاً من وجود اكثر من 3 آلاف مولدة اهلية في العاصمة بغداد فقط، تعمل جميعها على وقود البنزين والكاز، اضف اليها ازدياد عدد السيارات الى مئات الآلاف وبناء الورش والمعامل خارج الضوابط البيئية مع انتشار غير منظم لاماكن الطمر الصحي وطرق التعامل معها، جميع هذه التجاوزات ادت الى حدوث تلوث في بيئة العراق بنسب مختلفة من مدينة الى اخرى، واضاف الجنابي : مع فرض حظر التجوال بسبب وباء كورونا تراجع مستوى التلوث في البيئة العراقية الى حدود 40% بسبب توقف الانشطة الصناعية وحركة السيارات وانعكس هذا الانخفاض في مستوى التلوث على نسبة نقاوة الهواء والاجواء وانخفاض نسبة غازات اكاسيد الكاربون والنتروجين في الجو.
نقاوة
في القنوات المائية المتفرعة من نهري دجلة والفرات لاحظ بعض الفلاحين والمزارعين نقاوة المياه الواصلة من الانهر الرئيسة الى مزارعهم ، اذ بين المزارع محمد دحرب (43) سنة صاحب مزرعة في منطقة الراشدية: بعد مرور 30 يوما تقريبا على فرض حظر التجوال وتوقف جميع الاعمال لاحظنا خلال قيامنا بعمليات السقي للمزارع تغيراً في نوعية ماء النهر بعد ان كان يشوبه الكثير من الالوان الغامقة بسبب مخلفات بعض المصانع والقاء النفايات او الانقاض التي ترمى في النهر في مواقع بعيدة عن المؤسسات الرقابية، فقد ارتفعت جودة ماء النهر بشكل كبير واصبح صافيا بعد ان كان داكنا وعكرا ويميل الى الخضرة بسبب كثرة النفايات الصناعية التي تلقى فيه.
انتظام
جمع النفايات المنزلية عن طريق السيارات التابعة لامانة بغداد انتظم في بعض المناطق السكنية في بغداد ضمن مواعيد محددة ، فبسبب انتشار الفيروس اصبح اغلب سكنة الاحياء والازقة يتخوفون من القاء النفايات في الشوارع والساحات وينتظمون على جمعها في الحاويات ، لكن في احياء وازقة اخرى لم يبال آخرون في رمي نفاياتهم على الارصفة في الشوارع العامة . يقول كاظم هاشم احد سكنة مدينة الشعب ويعمل مدرسا ، لاحظنا وجود فرق كبير في انتشار اماكن تجمع النفايات خلال هذه الفترة ، فقد شعر الناس بخطورة الوضع الصحي مع انتشار فيروس كورونا وامتنعوا عن القاء نفاياتهم بشكل عشوائي ، كما ان الانتقادات من قبل سكنة الحي لمن يلقي نفاياته بالشارع اصبح يسبب احراجا لمن يقوم بهذا التجاوز.
ظاهرة
الاقرباء والاصدقاء خلال فترة الحظر الصحي لجؤوا الى ادامة التواصل الالكتروني عن طريق الانترنت وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في الفيسبوك والواتساب وتويتر ، بينما برزت ظاهرة التعازي والتهاني عبر الاتصالات حالة جديدة في اوساط المجتمع العراقي.
يقول الباحث الاجتماعي علي حسن السراي: "المجتمع العراقي في مختلف المدن والمناطق هو من المجتمعات غير الانعزالية، فهو يختلف عن المجتمعات في اوروبا واميركا ودول اخرى كثيرة، ولم يكن موضوع الحظر الصحي او المنزلي لمواجهة جائحة كورونا من الخيارات السهلة التي اتخذتها الحكومة، ولاول مرة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة يجري التواصل في مناسبات العزاء او الافراح بين الاقرباء او الاصدقاء او المجتمعات العشائرية عن طريق الهاتف لمنع حدوث عدوى بين الاشخاص خلال التجمعات، وكما نعرف ان مثل هذه المناسبات تشهد ولائم وضيافة تستمر ليومين او ثلاثة، خصوصا مع القادمين من مدن ومحافظات بعيدة، وربما ستتطور هذه الظاهرة الجديدة لاختصار بعض العادات والتقاليد القديمة".
واضاف السراي: "جميع هذه الانشطة قللت من حاجة الانسان الى استهلاك الطاقة وطرح النفايات والمخلفات المنبعثة من الحركة البشرية اليومية المعتادة، وهي ظاهرة غير مسبوقة تحدث لاول مرة في القرن الحالي".
إبداعات
العزلة المنزلية وتوقف الاعمال والحركة جعلا الكثيرين يبحثون عن اعمال تبدد اوقات الفراغ والجلوس امام شاشة التلفاز لساعات طويلة، فمنهم من ذهب الى الرسم او الحياكة او العزف او تصليح الاجهزة المتروكة منذ فترة طويلة ، محبو الفن والادب والرسم قاموا بتنظيم معارض فنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعرض اخر رسوماتهم اثناء فترة الحجر المنزلي، بينما قام مغنون وموهوبون بنشر مقاطع غنائية تشجع على مكافحة الوباء وبسط الروح المعنوية في مواجهته،احد مصلحي الاجهزة المنزلية في مدينة الشعب ببغداد قام بتطوير اجهزة كهربائية تعمل على تعقيم المنازل وهي تشبه مبردة الهواء في طريقة عملها ولكن يسهل حملها من مكان الى آخر.
بينما ذهب احد اصحاب محال الخياطة الى صنع كمامات بألوان ونقوش تناسب بعض الوان الملابس والازياء التي ترتديها النساء، فراس حسن (35) سنة أحد أصحاب محال بيع المواد الكهربائية قال: "الطاقة النظيفة أحد أهم أسباب انخفاض نسبة التلوث، ولذلك قمت بتطوير شبكة منظومة الطاقة الشمسية التي يمكن ان تستخدم في اسطح المنازل خصوصاً أنَّ العراق يتميز بفصل صيف طويل واجواء حارة جداً ، هذه المنظومة يمكن ان تستخدم بدل المولدات المنزلية التي تعمل على البنزين وتسبب ازعاجا وتلوثا كبيرا في نقاوة الهواء ويمكن نصبها باسعار مناسبة لمن يرغب بخوض هذه التجربة".