العرب ما زالوا يرفضون التطبيع مع إسرائيل

بانوراما 2020/05/12
...

مجلة ايكونومست البريطانية  ترجمة: خالد قاسم
 
استنكر تجمعٌ إعلامي فلسطيني إعلان إدارة قناة “أم بي سي” عن عرض مسلسل درامي تطبيعي مع اسرائيل خلال شهر رمضان تحت اسم “أم هارون”. ووصف التجمع هذا المسلسل بأنه يسعى لتدجين الوعي الشعبي العربي، لجهة قبول إسرائيل ككيان طبيعي في العالم العربي الإسلامي.
كما طالب بالمقابل ببث برامج توعويَّة لتعزيز ربط المواطن العربي بتاريخه وتراثه وبقضية فلسطين، بدلاً من برامج تحاول تبرير التطبيع مع العدو، تحت حجج وذرائع واهية، ويبدو أنَّ هذا المسلسل من إنتاج شركتين إماراتيَّة وكويتيَّة لصالح قناة “ام بي سي”.
 
سيدة يهوديَّة
وتدور قصة هذا المسلسل حول سيدة يهودية من أصول تركية تنقلت بين إيران والعراق، قبل أنْ يستقر بها المطاف في البحرين لتعمل لسنوات طويلة في التمريض وتوليد النساء.
على جهة أخرى من هذا الرفض الإعلامي للنشاط التطبيعي مع إسرائيل، رممت السلطات المصريَّة كنيساً قديماً في العاصمة القاهرة. ليبرز بعدها السؤال هل أنَّ الحكومة تريده ممتلئاً بالمصلين أم موقعاً سياحياً خالياً؟ في ما يتعلق بالأقلية اليهوديَّة المصريَّة يقول الرئيس عبد الفتاح السيسي كل ما هو صحيح، إذ تبقت قلة قليلة فقط من 80 ألف يهودي عاشوا في مصر. ومع ذلك يعد السيسي بعودة يهود مصر، وقد وجه دعوة لمن طردوا من البلاد بعد غزو إسرائيل شرق مصر سنة 1956، كما سجل المقابر اليهوديَّة الخربة مواقع تراثيَّة وأنفق ملايين الدولارات على ترميم ما كان يعد أكبر كنيس عالمي “الياهو هنابي” في الاسكندريَّة.
شهد منتصف شباط الماضي عودة 180 يهودياً من أصل مصري الى المدينة لتجديد الولاء للكنيس، وعلقّوا مخطوطات نفيسة على الجدران وتمايلوا أثناء قراءة التوراة وغنوا المزامير على نغمة “أنت عمري” وهي أغنية مشهورة لأم كلثوم. أما الرجال كبار السن فأخذوا يشربون القهوة في مقهى “ديليس” المجاور الذي لا يزال يشغل أغنية المطربة الفرنسيَّة الشهيرة “إيديث بياف” ويتبادلون صور زفافهم الباهتة والتي التقطت عند باب الكنيس. وأجهش الرجال كبار السن بالبكاء بسبب ذكريات مغادرتهم مصر وتخليهم عن جوازات سفرهم وتوقيع وثائق تتعهد بعدم العودة. وجرى بعد ذلك أكبر قداس في الكنيس لم يشهده منذ 60 سنة، ووعد الرجال بالعودة العام المقبل لإجراء زفاف وهي الخطوة الأولى لإعادة بناء مجتمع جذب قبل نحو مئة سنة يهوداً أكثر من فلسطين.
 
إجراءات أمنية مشددة
لقد فرضت إجراءات أمنية مشددة على هذا الحدث لسبب وجيه، إذ شهدت السنوات الأخيرة استهداف المسيحيين من قبل إرهابيين مرتبطين بعصابات داعش الارهابية. ولحقت مجموعة عجلات أمنية ذات صفارات إنذار باليهود أينما ذهبوا، لكنَّ السلطات بدت راغبة بكبح الاحتفال، إذ أبقى مسلحون يرتدون أقنعة ويحملون مدافع رشاشة اليهود محاصرين، ومنعوا دخول المسلمين الراغبين بالانضمام الى أصدقائهم القدامى، ومنع السفير الأميركي، وهو يهودي، من حضور تلاوة التوراة.
بعد إنفاق مبالغ طائلة على ترميم الكنيس يبدو غريبا أن تكبت الحكومة حفل اعادة افتتاحه، لكن رغم كلمات السيسي تبقى السلطات مترددة تجاه اليهود ومواقعهم. أما المعابد المصرية والمقابر اليهودية فإنها مغلقة على الدوام، ورممت السلطات قبل أكثر من 10 سنوات المعهد اللاهوتي لموسى ين ميمون، (وهو العالم المؤسس للأرثوذكسية اليهودية في القاهرة خلال القرن الثاني عشر وعمل طبيبا لصلاح الدين الايوبي). لكن الموقع أغلق أمام الجمهور، ولا توجد علامات دالة على توجه الناس للموقع، وعناك العديد مصريين لهم أسلاف يهود خائفين من كشف أصولهم.
 
أنموذج بديل
تعرض المغرب أنموذجاً بديلاً، إذ تقلصت الأقلية اليهوديَّة هناك أيضا عندما بلغ الصراع العربي الإسرائيلي ذروته، لكنَّ اليهود الباقين يمارسون عبادتهم علانية، وقد رمم الملك محمد السادس عشرات المعابد وتستضيف بصورة منتظمة يهود الشتات في احتفالات تشهد تلاوة رجال دين مسلمين ويهود معاً، ودشن الملك مطلع العام الحالي مركز تراث يهودي بلمسه التوراة وأدائه الصلاة، ويقول المستشار اليهودي للملك أندري أزولاي: “كانت هذه هي المرة الأولى لأمير المؤمنين”.