«كورونا» يكبحُ جماح الدول الصناعيَّة وينقذ بيئة العالم

ريبورتاج 2020/05/16
...


بغداد/ فجر محمد
 
في السنوات الماضية عانت الكرة الارضية من مشكلات بيئية كبيرة وخطيرة، انعكست آثارها بشكل واضح بظاهرة الاحتباس الحراري والغازات الدفيئة التي كانت تنبعث من النشاطات الصناعية للانسان، وعلى الرغم من التحذيرات التي اطلقها خبراء البيئة والمناخ والاتفاقيات الدولية التي كانت تبرم بين الحين والاخر الا ان النشاط الانساني لم يتوقف الا بعد ان غزا وباء كورونا الارض واستوطن في البداية بالمدن الصناعية المهمة، ما اجبرها على اخذ عطلة اجباريَّة وايقاف نشاطاتها، الأمر الذي ساعد في انخفاض نسب التلوث في جميع أرجاء المعمورة.

هواء نقي
الخبير والباحث بالشؤون البيئية احمد صالح قال: الكرة الارضية بمن عليها اصبحت اليوم تتنفس الهواء النقي المتميز بجودة عالية بعد ان طغى التلوث عليها، وذلك بسبب توقف النشاط الصناعي منذ اكثر من اربعة اشهر خصوصاً في البلدان التي تنتج نسب تلوث عالية، كما ان حركة السيارات تقيدت بشكل واضح ما قلل من انبعاثات عوادم السيارات اي غاز ثنائي اوكسيد الكاربون، فضلا عن احتكاك اطاراتها الذي كان هو الاخر سبباً لارتفاع درجات حرارة الجو والتلوث البيئي، وبالمقابل تمكنت النباتات كالاشجار والشجيرات والحشائش من انتاج المليارات المكعبة لغاز الاوكسجين، وهذا كله ساعد على التئام جرح طبقة الاوزون الذي عانى في السنوات الماضية من زيادة واضحة وكبيرة، اذ سمح لاشعة الشمس والكواكب الضارة بالنفوذ الى الارض، ما تسبب بارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. 
 
تغير المناخ
واشار الخبير البيئي الى ان تغير المناخ بسبب توقف المصانع قد ظهر بشكل جلي على آلية تغير درجات الحرارة، وتأخر وصول فصل الصيف الحار واستمرار الربيع الذي ساعد على نمو النباتات والازهار بشكل واضح جداً، ولكن على صعيد آخر فان هذا التبدل المناخي قد ساعد على اكتساب الفيروسات والميكروبات المناعة، اذ بدأت تطور من نفسها وتركيبتها واضعفت جسم الانسان اكثر، ما يتطلب وعياً بيئياً وصحياً اكبر حاضراً ومستقبلاً.
موضحاً ان الانهار هي الاخرى قد قلت فيها نسب التلوث اذ توقف القاء النفايات والفضلات المختلفة فيها، فعلى الرغم من النشاطات التي قامت بها المنظمات البيئية في وقت سابق لحماية البيئة الا انها لم تجد الاذان الصاغية ، حتى جاء توقف نشاطات المصانع الذي اسهم بعودة النظام الايكولوجي في البحر والنهر على حد سواء، فعلى سبيل المثال هناك مدينة حدودية مع ايران اسمها (الطيب) كانت تعاني كل عام في مثل هذا الوقت من حر شديد واختفاء النباتات الربيعية، اما اليوم فهي تتمتع بهواء بارد ومنعش وطقس ربيعي تنتشر فيه النباتات والازهار، ما يعني امكانية انتشار الحزام الاخضر واحاطته بالمدن، فضلا عن الانعكاسات و التغيرات الايجابية على انتاج الاسماك في البحيرات الاصطناعية بل وتغير طعمها ايضاً.
 
توقعات ناسا
ولفت صالح الى ان التصريحات المستمرة من وكالة ناسا الفضائية عززت من توقعات تغير المناخ في الكرة الارضية خصوصا في المدن الصناعية التي كانت تطرح نسب تلوث كبيرة، وعلى الرغم من امكانية عودة المصانع الى العمل بشكل دؤوب وقوي، الا ان البيئة ستظل محتفظة بعافيتها لوقت طويل جداً.
 
هشاشة الاقتصاد
خبراء الاقتصاد والوكالات الرصينة حذروا من ان قطاعي الصناعة والتجارة العالميين يعتمدان بشكل أساسي على مبدأ «في الوقت المحدد» Just in time، بمعنى أن نقل الأجزاء والسلع المختلفة من اليابان على سبيل المثال إلى الولايات المتحدة الأميركية لابد وأن يتم في الوقت المحدد بعينه، ما يسمح بتقليل تكاليف التخزين وغيرها من الخدمات اللوجستية وفي حال حدوث أي عطل بسيط في هذه السلسلة التكنولوجية الواحدة، فإنها من الممكن ان تتوقف تماما ما يعني أن مئات المصانع بجميع أنحاء العالم ستتعطل وذلك ما حدث بالفعل، ومن اللافت للنظر ان تلك التقارير اشارت الى ان ماحدث قد بين هشاشة العلاقة البشرية والاقتصاد العالمي القائم على العولمة، ولكنه في الوقت نفسه فقد ادى الى زيادة التواصل التكنولوجي والاجتماعي عبر شبكات الاتصال العالمية اذ اخذت كبرى الشركات بعقد اجتماعاتها عبر الانترنت، والتواصل مع موظفيها بشكل مستمر، فضلا عن المؤسسات الاعلامية الكبرى التي تأخذ اخبارها من مراسليها عبر الشبكة العنكبوتية.
 
مخاوف
الثلاثيني ناجي علي وهو رب اسرة مكونة من خمسة افراد ابدى مخاوفه من انتشار وباء كورونا الذي قد يوقفه عن ممارسة عمله في احد المصانع المرتبطة بالقطاع الخاص لفترة طويلة جداً، ويقول ناجي بقلق واضح في نبرات صوته: «منذ الايام الاولى لظهور الوباء في العراق والقلق يساورني وزملائي من خسارة وظائفنا خصوصاً ونحن نعمل في قطاع خاص وليس حكومياً، اذ اصبح العمل يسير بوتيرة بطيئة جدا مقارنة بالايام التي سبقت الوباء، ثم التوقف بين فترة واخرى مع اجراءات الحظر الكلي والجزئي وما زال الوضع قائما ولا نعرف متى ينتهي».
 
شلل
الخبير بالشؤون الاقتصادية ليث علي بين ان العالم باسره توقفت نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية بسبب جائحة كورونا، بل وصل الامر الى حصول شلل اقتصادي في بعض المصانع والمعامل، في حين اخرى استمر نشاطها خصوصا تلك المختصة بالمستلزمات الطبية والمعقمات وغيرها من المنتوجات الضرورية والمساهمة في مكافحة كورونا، ولكن ما اظهرته التقارير ووسائل الاعلام ان مايقارب 80 بالمئة من الاقتصاد العالمي قد توقف بشكل تام، ومن المتوقع عودة النشاط في بداية الشهر المقبل، ولكن ليس
بشكل مؤكد. 
 
تغييرات
واضاف علي: في ظل انتشار جائحة كورونا يتوقع الخبراء صعوبة ان يعود الاقتصاد العالمي بعد انتهاء الازمة كما في السابق سيمتد هذا التغيير لفترة 20 او 25 سنة مقبلة، ومن المرجح ان يكون هناك اختلاف وتغير في مناطق النفوذ في العالم خصوصا مع وجود صراع طويل الامد بين قطبي الصناعة والتطور في العالم ،الولايات المتحدة الاميركية والصين، ومع انخفاض اسعار النفط ، وقلة المدخولات الاقتصادية والمالية للدول المنتجة ومنها العراق ، فان الاوضاع الاقتصادية ستشهد تغييرات مختلفة من اجل اعادة هيكلتها بما يتناسب مع الاوضاع الجديدة.
 
ورش
عدد من الجامعات ومنها كلية الادارة والاقتصاد اقامت ورشة عمل الكترونية تناولت فيها انعكاسات فيروس كورونا على اقتصاد الدول ومنها العراق، خصوصا تأثيره في التبادل التجاري واثر الحجر المناطقي في قلة الانتاج ونقص الطلب المحلي، واوصت الورشة بضرورة اعادة هيكلة الانفاق العام والتخلص من النفقات غير الضرورية، خصوصا في المحافظات التي تمتلك موارد زراعية، وطرح الاساتذة عدداً من الرؤى التي من شأنها ان تسهم بتحسن الوضع الاقتصادي بعد التوقف الذي دام لاشهر.
 
تاريخ
ومن الجدير بالذكر ان العالم قد شهد بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية تغيرات في الستراتيجيات والسياسات الاقتصادية بشكل عام، اذ من المعروف ان وباء الطاعون عندما غزا اوروبا قد اصابها بالشلل ايضاً وترك ضحايا عديدة، ولكن ما حدث في اوروبا اليوم بسبب جائحة كورونا يفوق تلك الفترات بالضعف. لانه اثر في البيئة والاقتصاد في جميع انحاء العالم.