ما الذي يحدث في هونغ كونغ؟

قضايا عربية ودولية 2020/06/03
...


ترجمة وإعداد: انيس الصفار                                        
 
منذ العام 1997 بقيت هونغ كونغ تدار بنظام حكم يمنحها شبه استقلال من خلال أنظمة قضائية وسياسية واقتصادية منفصلة عن الصين الأم ودستور يمليه الوضع القائم أطلق عليه اسم “القانون الاساس” يسمح ببعض الحريات كحريتي الصحافة والتجمع. حين سلمت بريطانيا مستعمرتها السابقة الى الصين تعهدت الأخيرة بالحفاظ على اطار عمل شعاره “بلد واحد ونظامان” حتى العام 2047.
إلا أن هذا كله آيل للتغير الآن، ففي الاسبوع الماضي أعلن الرئيس ترامب ان الولايات المتحدة لن تعامل هونغ كونغ والصين بمعزل عن بعضهما بعد الان في شؤون أساسية عديدة من أبرزها التجارة وتسليم المجرمين، وفي هذا الغاء للوضع الخاص الذي كانت تتمتع به 
هونغ كونغ.
سبق ذلك بأيام إعلان وزير الخارجية “مايك بومبيو” أمام اعضاء الكونغرس الأميركي بأن هونغ كونغ لم يعد بالامكان عدها مستقلة عن الصين. جاء هذا الإعلان في اعقاب تصريحات من بكين أفادت بأنها تخطط لفرض قانون الامن القومي الشامل، الذي تجرم بموجبه اي نشاطات انفصالية او تخريبية، على هونغ كونغ ويعد هذا أكبر التجاوزات جسامة على الحريات المدنية هناك حتى الان.
في شهر تموز 1997 وقعت بريطانيا والصين اتفاقاً يمنح هونغ كونغ استقلالاً نسبياً لمدة 50 عاماً على الأقل، وقد جاء هذا تتويجاً لمنافسة بين لندن وبكين على هذه المدينة دامت اكثر من قرن. من الناحية الفنية كانت بريطانيا قد استأجرت معظم هونغ كونغ منذ العام 1898، ولو ان تواجدها فيها يمتد الى ابعد من ذلك التاريخ، ولكن الصين بقيت تعد هونغ كونغ جزءاً لا يتجزأ من اراضيها وبذا حلّت اتفاقية 1997 كأرضية وسط بين الرؤيتين. هكذا تابعت المدينة ازدهارها كمركز مالي عالمي وبقيت تدير الكثير من شؤونها، في حين تولت الصين السيطرة على جانبي الدفاع والعلاقات الخارجية، بيد ان تدخلات الصين  في شؤون هونغ كونغ تواصلت وأخذت بالتزايد.
في العام 2014 اكتسبت الحركة المؤيدة للديمقراطية زخماً وابدى الناشطون مقاومة لخطط الصين للتأثير في اختيار المسؤولين، وفي نهاية المطاف اجتذبت الاحتجاجات اكثر من مليون شخص الى شوارع هونغ كونغ وسمّي ذلك الحراك “حركة المظلة”.
لم يدم هذا الحراك طويلاً ولكنه عاد فتجدد في السنة الماضية قلقاً من تمرير مشروع قانون يسمح بترحيل الاشخاص الى الصين، إذ خشي المعارضون من ان يستغل القانون ضد الناشطين المعارضين لبكين. استمرت التظاهرات أشهراً ولم تخل من اعمال عنف احياناً وحدثت صدامات بين المحتجين وقوات الشرطة. 
في شهر ايلول الماضي استجابت رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ وسحبت مشروع القانون، ولكن الاحتجاجات استمرت وتحولت الى حركة تركز على مطالب ديمقراطية أوسع وتواصلت عملية الكر والفر بين الجانبين.
خلال الشهر الماضي، وفي تصعيد مهم جديد، سيطر مشرعون موالون لبكين على الهيئة المتحكمة بالاجندة التشريعية للمدينة وأعلنوا نيتهم على وضع خطط ضد الانفصال. في حديث له امام الكونغرس الأميركي يوم الاربعاء قال بومبيو معلقاً على تلك التحركات أنها تمثل من وجهة نظره احدث حلقة في سلسلة الافعال الهادفة الى تقويض استقلال هونغ كونغ وحريتها. هذا التصريح قد تكون له اصداء بعيدة الأثر على التجارة في قطب الأعمال العالمي هذا لأن وضع الاستقلال النسبي كان يسمح باستثناء هونغ كونغ من التعرفات الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين.
في الأيام الأخيرة عاد المتظاهرون الى الشوارع وانتشر آلاف من عناصر شرطة مكافحة الشغب عندما حاول المشرعون المؤيدون لبكين تمرير قانون يجرم عدم احترام النشيد الوطني الصيني في هونغ كونغ، والقي القبض على مئات المحتجين.
بيد أن هونغ كونغ لا تزال تتمتع رغم هذا كله بحق التظاهر المرخص من السلطة، ولكن الاستاذة “لاينيت أونغ”، من جامعة تورنتو، تقول انها لا تتوقع خروج تظاهرات كبيرة كسابقاتها. 
لقد نجحت هونغ كونغ على ما يبدو في احتواء موجة وباء كورونا، ولكن السلطات مددت فرض الحظر على التجمعات لثمانية اشخاص او اكثر، وهذا القرار سيحول لأول مرة دون احياء ذكرى ضحايا احداث ساحة تيانان مين في 1989 التي كانت تعد من شواهد استمرار العمل بمبدأ “النظامين”. 
تقول الاستاذة أونغ أنها لا ترى مخرجاً لهونغ كونغ رغم كل السخط والغضب. فمن الناحية النظرية هناك حلان: أما أن يرفض المشرعون في هونغ كونغ مشروع القانون المثير لسخط الشارع، أو أن تتدخل الولايات المتحدة. ولما كان المشرعون منحازين الى جانب الصين، والولايات المتحدة منشغلة بأزمتها مع فايروس كورونا، فلن يكون من الواقعي انتظار تحقق أي منهما.  
 
* سايوبهان أوغريدي وميريام بيرغر 
عن صحيفة واشنطن بوست