{كورونا} أثبت أنَّ البشر ليسوا كسالى بالفطرة

بانوراما 2020/06/10
...

لندن/ بي بي سي
ربما تكون واحداً من بين أكثر من ثلاثة ملايين شخص، شاهدوا فيلماً قصيراً بثه مكتب حاكم ولاية كاليفورنيا الأميركية على شبكة الإنترنت، ويظهر فيه الكوميديان لاري ديفيد، وهو يحض الناس بأسلوبه التهكمي المُميز، على الامتثال للإرشادات والتعليمات الرسمية الصادرة لهم، لحمايتهم من الإصابة بفيروس كورونا، ومن بينها البقاء في المنازل. ويخاطب ديفيد مشاهديه في الفيلم قائلا: “ما بالكم أيها الحمقى، إنكم تهدرون فرصة رائعة للجلوس في مقاعدكم الوثيرة ومشاهدة التليفزيون طيلة اليوم!”.
 
 
لعل هذا ما يجعل الأزمة الحالية مختلفة عن سواها. فقد اعتدنا من قبل، أن نتلقى تحذيرات وتوجيهات صحية، تحثنا على فعل أشياء لا نشعر من الأصل بالرغبة الشديدة في القيام بها؛ من قبيل ممارسة التدريبات الرياضية لوقت أطول، أو زيادة محتويات وجباتنا الغذائية من الفواكه والخضراوات. أما الآن، فتبدو النصائح الرسمية الموجهة إلينا – وبشكل نادر من نوعه - أيسر في ما يتعلق بإمكانية الاستجابة لها؛ فهي لا تتجاوز الاستلقاء على الأريكة ومشاهدة التلفزيون بإفراط، والبقاء في المنزل، وهي كلها أشياء يُفترض أنْ تروق للجانب الذي ينزع للكسل، داخل كل منّا.
 
الخيارات الأكثر سهولة
لكن الأمر ليس بهذه البساطة في الواقع، وربما تكون قد أدركت أنت شخصيا ذلك بالفعل، بعد مرور بضعة أسابيع على تطبيق إجراءات الإغلاق الكامل. فقد تبين أننا لسنا مُبرمجين من الناحية البيولوجية، للقيام بأقل قدر ممكن من الجهد. ففي واقع الأمر، يشعر المرء بانتعاش كلما مارس نشاطاً أكبر، أو حقق - على الأقل - توازنا صحيا بين انهماكه في العمل وقدرته على نيل الراحة الكافية في الوقت نفسه.
لا ينفي ذلك بالمناسبة، حقيقة أننا غالبا ما نفضل الخيارات الأكثر سهولة، والمضي على المسار الذي نلقى فيه صعوبات أقل، واتخاذ طرق مختصرة لتحقيق النجاح. فلو كان لديك جهاز تحكم عن بعد مثلا؛ لِمَ تكبد نفسك عناء النهوض من على أريكتك لتغيير محطات التليفزيون بنفسك؟ وهل من سبب يحدوك لأن تذهب إلى السوبر ماركت على دراجتك إذا كانت لديك سيارة؟ وما الذي يمنعك من الاكتفاء ببذل نصف الجهد الذي يبذله زميلك في العمل، طالما أن ذلك لن يؤثر فيك سلباً بأي شكل من الأشكال؟
 
“قانون زيف”
فلا شك في أن ممارسة أي عمل أو القيام بأي جهد، ينطوي على إجهاد بدني أو ذهني، وهو ما يجعل من المنطقي أن يسعى كل منّا، لتجنب هذا العناء قدر الإمكان. وفي بعض الأوقات، نفعل ذلك دون زيادة أو نقصان، وهو ما يُعرف أحيانا باسم “مبدأ بذل أقل قدر ممكن من الجهد”، والمعروف عربياً باسم “قانون زيف”، وهو القانون الذي قد تحسب أن أحدا لم يشعر قط بأي ميلٍ لانتهاكه، لكن المفاجأة تتمثل في أننا ننتهكه بالفعل طوال الوقت.
فهل حلمت من قبل بألا تضطر لبذل أي جهد على الإطلاق؛ بأن تستلقي مثلا في أرجوحة شبكية طوال فترة ما بعد الظهر، مُحدقا في الأفق، ومنصتا إلى السكون الذي يحيط بك؟ رغم أن ذلك قد يبدو فكرة رائعة، فإننا قد نكتشف – عمليا - أن عدم الانخراط في أي نشاط والاستغراق في النوم بمناسبة ودون مناسبة، أمر يصعب علينا القيام به.
حتى إذا كان المرء لا يستطيع أن يتفهم أو يستشعر مشاعر الحماسة والانفعال والنشوة التي تراود متسلقي الجبال، بفعل ما يتكبدونه من جهود وما يواجهونه من مخاطر، في تسلقهم للقمم الجبلية، فبوسع غالبيتنا تفهم ما يُعرف بـ “تأثير آيكيا”، نسبة إلى شركة عالمية متخصصة في صناعة الأثاث تحمل الاسم نفسه، وتبيع منتجاتها مفككة إلى أجزاء لعملائها، على أن يقوموا هم بتركيبها. ويعني هذا المصطلح، أن البشر يشعرون بتقدير أكبر للأدوات المنزلية، إذا تولوا تركيبها بأنفسهم.
ونفهم من كل ذلك أن الاستلقاء على الأريكة ومشاهدة التليفزيون، لا يشكلان سوى إحدى وسائل إزجاء الوقت، خلال فترة البقاء في المنزل، امتثالا لتدابير الإغلاق والحجر الصحي. فبرغم أننا قد نظن أنه من الممتع أن نمضي أسابيع دون القيام بأي شيء سوى الاسترخاء، فإن ذلك يصيبنا في حقيقة الأمر بالحيرة والارتباك والتشوش. فإذا لم تكن مريضا أو بحاجة للراحة، فسيؤدي إجبارك على نيل فترة طويلة منها وبشكل قسري، إلى إحساسك بالضجر والقلق والتوتر، لا بالاسترخاء. ومن هنا، نحتاج خلال فترة الإغلاق الحالية، لتلمس سبل من شأنها تمكيننا بقدر الإمكان، من أن نحقق التوازن بين العمل والاسترخاء، على أفضل نحو يمكننا الوصول إليه في الأوقات العادية.
من هذا المنطلق، من المهم بالنسبة لنا أن نحرص في حياتنا على ممارسة تمارين رياضية وتحديد مهام لأنفسنا لإنجازها، والقيام بما هو مجهد وصعب كذلك. وربما يكون مفيدا في هذا الصدد، الاطلاع على ما ورد في كتابٍ لعالم النفس ميهالي شيكزنت، يحمل اسم “التدفق: علم نفس خوض التجارب المُثلى”، والذي يتضمن أنشطة تعزز ما أطلق عليه مؤلفه اسم “التدفق”. ومن بين هذه الأنشطة، الرسم والبستنة وحل الأحاجي والألغاز، وهي أمور يستغرقك الانخراط فيها بشدة، إلى حد يجعلك لا تشعر بمرور الوقت، ولا يساورك الشعور بالقلق بأي شكل من الأشكال.
 
لسنا مخلوقات كسولة
في النهاية، يمكن القول إن الجانب الأكبر منّا، لا يأخذ مسألة الحصول على قسط من الراحة، على محمل الجد بشكل كافٍ، في الأوقات العادية. ولذا ففي فترة استثنائية كتلك التي نعيشها الآن، يتعين علينا اغتنام الفرصة الحالية للحصول على قدر أكبر من الراحة إذا استطعنا، ولأن نجعل هذا الضرب من التوازن بين العمل والاسترخاء، جزءا من حياتنا في مرحلة ما بعد انتهاء إجراءات الإغلاق.
لكن سيظل الدرس المستفاد من الفترة العصيبة الراهنة، هو اكتشافنا أننا لسنا مخلوقات كسولة بالفطرة، وإدراكنا أن نيل قدر أكبر من الراحة والانخراط في أنشطة أقل، ربما سيتطلب مبدئيا - وعلى نحو غريب من نوعه - بذل الكثير من الجهد.