(فحل التوث بالبستان هيبة)

ثقافة شعبية 2020/06/16
...

 
عبد الأمير خليل مراد
 
 
تتميز لغتنا العربية بتنوع لهجاتها وتعدد مفرداتها إذ نرى لكل عشيرة لهجة خاصة بها، أو منطقة تمتاز بها على غيرها من المناطق الأخرى، وقد نشأت الأمثال العربية في هذه الحاضنة المتنوعة، إذ يعبر المثل الشعبي عن قول مأثور، أو حادثة تستفز الوجدان الجمعي، والثوابت العامة وقد زخر موروثنا الشعبي بهذه الأمثال التي جاءت نتيجة حتمية لبعض الظواهر المغايرة في إيقاع الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسيَّة.
لقد تميزت الأمثال الشعبية بالمعرفة والحكمة والطلاقة، ولها مدلولات ذات مقاصد ومرام واضحة بين الناس، فلكل مثل حكاية أو قصة واقعية تحققت في الحارات والأماكن الشعبيَّة، وقد صيغت هذه الأمثال باللغة المحكية الدارجة، لكونها قريبة من هموم الناس وتطلعاتهم وأحاسيسهم، وهي تبدو أكثر تداولا وترديدا على ألسنتهم ،والتصاقا بمعاناتهم، وحكاياتهم اليومية.
والواضح ان المثل يجري أحيانا مجرى القصة أو الواقعة إذ يدخل في صياغته فن الإثارة والترغيب والتشويق بغية جذب انتباه السامع ، وتلقيه الغاية من المثل وأهدافه، ويتم ذلك عبر انشداد المتلقي إلى الشخص الذي يلجأ الى سرد المثل وإلقائه بين السامعين ، ويكون في بعض المواقف مصحوبا بالحركات والإيماءات التي تمنح المثل نوعا من الدعابة على بث الرسالة التي ينطوي عليها ذلك المثل ، والتقاط مداليله ومعانيه من المخيال الشعبي، وربطه بحادثة ما، أو بيئة شعبية أسهمت في إنتاج المثل، وإشاعته في الأزقة والشوارع الخلفيَّة. 
ويأتي المثل الشعبي (فحل التوث بالبستان هيبة)، وهو يعبر عن هواجس اليأس والإحباط التي تنتاب (أو تسيطر على) بعض الناس وهم يأملون في شخص ما يعيش بين ظهرانيهم نوعا من التحدي والتماس الخلاص من محنة ما، أو قضية شائكة لم يستطع السواد الأعظم تجاوزها أو الخلاص من آثارها، وهم ينعتون هذا الشخص بفحل التوث، وهو شجرة التكي التي لم تثمر، وكثيرا ما توصف بالشجرة العقيم لهيبتها وضخامة أغصانها بين أشجار البستان الأخرى، إذ يأخذ هذا الفحل فضاءا واسعا وأفقا متراميا نحو الأعالي، وكأنه ممن يمتلكون السيادة بهذه المواصفات، أي الفحولة على بقية الأشجار.
وهكذا نرى هذا المثل وهو ذو نبرة ساخرة، يلخص ما يستنتجه أهل الحل والعقل من توصيف لمدعو ما بالهيبة لضخامة قامته مع عجزه عن امتلاك المبادرة لفعل شيء ما تتطلبه المواقف والأحداث التي تهيمن على يومياتهم ومصائرهم ، من دون اللجوء إلى قوته وضميره ، وكأنه المأمول الذي (لا يحل ولا يربط)، أي انه إنسان مسلوب الإرادة، وكل همه هو الامتداد في محيطه بفعل جسده الطاغي على الكثير من الأوصاف التي تستوجب اسعاف الآخرين، ونجدتهم والسعي لإنقاذهم، ومداراتهم أثناء المحن والمصائب، غير انه يبقى ذلك المرء العاجز عن تغيير الواقع، وبعث الحياة في أهابه من جديد، لأن (فحل التوث بالبستان هيبة).