تخيم أجواء السعادة والتعاون على أسرة أبو محمد بعد أن كانت حياتهم مليئة بالخلافات والصراخ، اذ كان يخرج من الصباح الباكر ولا يعود إلا بعد منتصف الليل وهو متعب جداً ويغضب من أبسط الأمور، وهذا جعل أطفاله ينفرون منه، لكن بعد انتشار وباء كورونا الذي على إثره تم فرض الحظر الصحي أصبح يقضي أغلب وقته بالقرب من أسرته، مثله مثل الكثير من الرجال الذين اجبرواعلى ترك أعمالهم والجلوس بالمنزل. ورغم صعوبة تحمل هذا الشيء وخصوصاً على الرجال لاعتيادهم على أسلوب معين منذ وقت طويل لكن أجبرتهم هذه الأزمة على التأقلم مع الوضع الجديد وغيرت الكثير من المفاهيم لديهم، وأسهمت مساهمة فعالة وكبيرة في تقريبهم من زوجاتهم وأعطتهم الفرصة الثمينة للتعبير عن حبهم وحنانهم لأبنائهم من خلال تقاسم أوقات للعب والترفيه وشعور بقيمة المجهود الذي تبذله المرأة في المنزل.
ضبط الأعصاب
رب ضارة نافعة هذا ما بدأ به أبو محمد حديثه والابتسامة تبدو على وجهه: بسبب انشغالي المستمر في العمل لم أقترب من أطفالي وتحدث معهم بل بالعكس كنت أغضب عليهم حينما يلعبون ويصدرون ضوضاء في المنزل، لكن في ظل هذه الظروف تقربت من أطفالي وزوجتي وأصبحت أقضي أكثر وقتي معهم وأشاركهم في ممارسة هواياتهم وأنا في غاية الاستمتاع.
التواصل مع الأصدقاء
يقول الخمسيني هشام علي: كوني معتاد منذ أكثر من عشرين سنة على ممارسة مهنتي في تصليح السيارات، وأخرج للعمل من الصباح الباكر ولا أعود إلا في المساء، لكن عندما فرض علينا الحظر الصحي تدهورت حالتي النفسية بعض الشيء لكوني لم اعتد على الوضع من قبل، لكن بمرور الأيام تأقلمت معه وأحببته كثيراً. ويضيف علي: إذ أقضي أغلب وقتي بين مع اولادي واحفادي فضلاً عن مشاهدتي للتلفاز على اوقات متفرقة، فضلا عن إجراء بعض التعديلات على حديقة المنزل و قضاء اوقات ممتعة بالقرب من الأصدقاء المقربين.
الجلوس مع الأهل
يوضح علي حيدر: كنت أقضي أغلب وقتي في الخارج إذ لا أعود الى المنزل إلا في أوقات متأخرة، هذا ماسبب لي الخلافات كثيراً مع والدي ووالدتي لعدم جلوسي معهم، لكن بعد أزمة كورونا تغير روتين يومي كثيراً. ويشير حيدر: أصبحت أقضي يومي مع أسرتي، وتحسنت علاقتي مع والدي ووالدتي، وشعرت بالسعادة التي لم أشعر بها من قبل، أنا أتبادل معهم الآراء والأحاديث فضلاً عن ممارستي لموهبتي في مجال الرسم وفضلا عن قراءتي بعض الكتب التي لم يسعفني الوقت في السابق لقراءتها.
التحلي بالصبر
أما الثلاثيني كريم ياسين فله حكاية أخرى، إذ يقول: إن وباء كورونا علمني الكثير من الأمور التي كنت في غفلة عنها وجعلني اقترب من الله عزوجل، وأكون أكثر صبراً على الأزمات والظروف الصعبة، فضلاً عن إنجازي بعض الأعمال المتراكمة لدي.
ويضيف ياسين: بدأتُ أقضي معظم وقتي مع أخواني الصغار واشاركهم في اللعب وممارسة هواياتهم من اجل تخفيف أثر الحظر على حالتهم النفسية كثيراً؛ لأن الأطفال لا يفهمون معنى الحظر والبقاء في المنزل.
تقاسم أعباء المنزل
يقول الباحث والأكاديمي أحمد عباس الذهبي: «عندما نتحدث عن بقاء الرجل في المنزل، فإننا نذكر عددا من الجوانب النفسية في علم النفس؛ فالخصائص السيكولوجية تختلف من شخص إلى آخر كما نعبر عنها في علم النفس «هندسة السلوك»، وسنذكر بعض المشاهدات عن نفسية الرجل خلال فترة الحظر الصحي، ونذكر بعض المواقف الطريفة، فالرجل في المنزل كان له أيضا دور في الطرائف والنكات، إذ ينادي أحد الرجال من الحظر الصحي بالقول «أيتها النساء، نحن الرجال وجودنا بالبيت للعزل الصحي وليس لتصفية الحسابات». ويرى الذهبي أن المهارات الرجالية تزداد في المطبخ التي صنعت الجدل لدى الكثير من النساء ممن أعجبهم الأمر فاستغلوا الأمر لصالحهم، وأخذوا قسطا من الراحة لهم من المطبخ ومتاعبه إلى غاية انقضاء فترة الحظر الصحي، وممن انتابهن شعور الغيرة من أزواجهم وخاصة ممن لا يتقن الطبخ بشكل جيد، بعد دخولهم إلى المطبخ ومنافستهم لهن في إعداد أشهى وألذّ الأطباق.
ويشير الباحث والأكاديمي الى مجموعة من النصائح منها إعطاء وقت أكثر للأبناء، لأن هذه الفرصة لا تتاح دائما بسبب الانشغالات الكبيرة وضغوط العمل، فضلاً عن تقدير المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق المرأة لا تقدر حق قدرها، وهكذا، فمكوث الرجل في المنزل طيلة اليوم، سيمكنه من معاينة الدور الذي تلعبه المرأة في المحافظة على توازن الأسرة، فضلا عن ان يجعل الرجال فرصة لتغيير بعض الأفكار والعقليات السائدة، وعلى رأسها إلصاق مهام البيت بالمرأة، فلا عيب في أن يعوّد الرجال أنفسهم على المشاركة بأعباء المنزل.