قرارات جريئة.. للنهوض

العراق 2020/07/12
...

سالم مشكور
 
قبل أكثر من عقد، وفي ظل موازنة "انفجارية"، أعاد أحد الوزراء في نهاية العام كامل حصة وزارته من الميزانية الاستثمارية بحجة أنه يخشى الفساد الذي قد يدخل في العقود فيشكل ذلك ضربة لنزاهته ويحمّله ذنباً "أمام الله". نسي هذا الوزير "الورع" أنّ ما فعله هو هروب من فساد مالي الى فساد آخر هو الفساد الإداري ممثلا بعدم انجاز أي مشروع تنموي يحتاجه القطّاع المعني بوزارته.
 ليست حالة ذلك الوزير فريدة، فكثير من المشاريع تعرقلت بسبب الخوف من أن يكتنفها فساد خصوصا في ظل تكالب الحيتان على كل مشروع مطروح، أو بسبب تضارب قوانين وتعليمات قد تعرّض المسؤول الى الملاحقة فيما لو أريد استغلاله ضده لاحقاً. هكذا تعطلت الكثير من المشاريع الحيوية، ناهيك عن توقف أخرى بسبب الفساد بعينه وبعد صرف الكثير من كلفها. هكذا نكون بين خيارين: العمل والسماح للفساد أو عدم العمل وبقاء الحال كما هو. وكلاهما فساد.
  مشكلتنا في العراق متعددة الأسباب، لكن أهمها هي مشكلة الإدارة. اي مشكلة إدارة المال، ومشكلة إدارة الاقتصاد، ومشكلة إدارة الصحة.. بل مشكلة في الإدارة العامة ككل.
 في الأنظمة الحديثة جرى تطوير الإدارة العامة التقليدية عبر تطعيمها بمعايير من إدارة القطاع الخاص. ففي الثانية، يجري اعتماد معيار النتيجة وليس الالتزام بالتعليمات، فما يحقق النتيجة المطلوبة هو الشرعي، تماما كما في فقه المقاصد في الشريعة، بينما القطاع العام التقليدي يعتمد الالتزام بالقوانين والتعليمات معياراً للنزاهة والشرعية، حتى لو لم تتحقق النتائج المطلوبة وحتى لو اكتنف ذلك هدر للمال والجهد والوقت.
في واقعنا العراقي، حيث القوانين قديمة وغير ملبّية لمتطلبات العمل، وحيث الخراب كبير والمطلوب أكبر للنهوض، تبدو طريقة العمل وفق النتائج هي الوحيدة التي تنتج، شرط تفعيل آليات الرقابة وفق معيار الإنجاز قبل الالتزام بالقوانين. هذا الامر يحتاج الى قرارات استثنائية من رأس السلطة التنفيذية ومتابعة شخصية أو عبر مكلفين منه بصلاحيات واسعة لتذليل أي عقبة طبيعية أو مفتعلة.
تخلّفنا كثيراً، وتفاقمت مشكلاتنا وحاجاتنا، ولابد من خطوات جريئة للخروج مما نحن فيه.