استعادة الثقة.. بالإنجاز

العراق 2020/07/19
...

سالم مشكور
 
من معوّقات النهوض في العراق، ضعف الثقة -وأحياناً انعدامها- بين المواطن والمؤسسة السياسية، وتبعاً لذلك الإدارة العامة (الحكومة). ليس الأمر وليد ظروف ما بعد 2003، بل انّ هذه الثقة شهدت موجة ارتفاع بين غالبية العراقيين ممن كانوا يتوقون الى التغيير السياسي والتخلص من النظام الدكتاتوري لكنها -أي الثقة- عادت الى الانحدار ثانية لتصل في هذه المرحلة الى مستويات دنيا وأكثر وضوحا -وليس حدة- مما كانت عليه في السنوات الأخيرة من حكم البعث، والتي أخفتها أجواء القمع آنذاك، بينما يجري التعبير عنها بحرية منذ زوال ذلك الحكم.
يُرجع البعض حالة ضعف الثقة بين المواطن والمؤسسة السياسية الى مراحل ما قبل تشكيل الدولة العراقية الحديثة، عندما يشير الى عوامل تاريخية بعيدة تركت أثرها في تركيبة الشخصية العراقية التي باتت تعرف بأنها متمردة صعبة المراس، وهو ما شكا منه من حكموا بلاد ما بين النهرين بدءاً من الاسكندر المقدوني 323 (ق. م) مروراً بالامام علي بن أبي طالب"ع"، والحجاج ومن بعده. 
الحديث عن الثقة بين الحاكم والمحكوم يحتاج الى عقد اجتماعي، وهذا العقد يحتاج الى أمّة تجتمع على مشتركات وتتفق على تخويل إدارة شؤونها الى مجموعة منهم تسمى حكومة او إدارة كما في الانظمة الحديثة، وهو ما لم يتوفر في العراق منذ تركيبه القسري. الموضوع شائك ومتداخل ولا يمكن الإحاطة به في حدود عمود صحفي، لكننا نتوقف أمام ما حدث في 2003 ونتساءل: هل أضاعت الطبقة السياسية الجديدة فرصة وفّرها الترحيب الشعبي الاغلبي بالتغيير، لكسب ثقة المواطن؟.
الجواب بالتأكيد سيكون بالإيجاب. لكن الأكثر دقة هو أن ضياع تلك الفرصة لا يعود فقط الى قصور وتقصير كبيرين في أداء الطبقة السياسية، بل ساعدت في ذلك عوامل داخلية وخارجية استثمرت سوء الأداء لدفع حالة عدم الثقة بالحكم الى درجة تبنّي مقولات تفضيل العهد السابق بكل سلبياته على الحالي.
حالة غياب الثقة تشكل عائقا أمام النهوض، خصوصا عندما تتحول الى مهاجمة وتخوين كل من في أو قريب من الإدارة العامة. الحل يجب أن يبدأ بمعالجات لاستعادة الثقة وهذا يتم بإنجازات تلامس حاجات المواطن الآنية فضلا عن البعيدة المدى. الاعلام مهم للتواصل وكسب ثقة المواطن لكنه يجب أن يعقب الإنجاز لا أن يسبقه. الإنجاز بحد ذاته سيتحدث عن نفسه وسيخلق ثقة لا بد منها للخروج من هذا الواقع.