هل يكون الخليج هو التحرك العسكري التالي للصين ؟

قضايا عربية ودولية 2020/07/19
...

مايكل روبن/عن مجلة ناشنال إنتريست
ترجمة: انيس الصفار
خلالَ جيل واحد وسعت الصين مديات نشاطها الاقتصادي في الشرق الأوسط ولكنها بقيت الى حد كبير محايدة دبلوماسياً وغائبة عسكرياً، فبكين مثلاً تحافظ على علاقات دبلوماسية دافئة مع اسرائيل والسعودية وإيران، وهي في كثير من الاحيان تمتنع عن التصويت في مجلس الأمن كلما اثيرت مسألة مثيرة للخلاف. 
بيد أن عزم الرئيس «شيجنبنغ» وطموحه قد لا يبقيان محصورين ضمن حواشي الصين، في هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي وولاية لداخ، فالصين مثلاً لم تكتف بانشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي على مرمى حجر من التواجد الأميركي بل أخذت تمارس ايضاً عمليات تداخل مع الطيارين الأميركيين في المنطقة.
أوردت الصحافة الإيرانية مؤخراً ان الصين تسعى الان كما يبدو لإنشاء قاعدة دائمة لها في منطقة الخليج، حيث رصد المتحدث باسم غرفة التجارة الإيرانية الصينية المشتركة ماجد رضا حريري تزايد المشاركة الصينية في الاتفاقيات التي أبرمت خلال عهد الرئيس احمدي نجاد والزيارة التي قام بها الرئيس شيجنبنغ لإيران في العام 2015 والتقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ووقع اتفاقيات شملت القطاعين الأمني والعسكري. 
تدور في البرلمان الإيراني حالياً شائعات مفادها ان احدى الاتفاقيات تتضمن عقداً طويل الأمد لاستئجار المنشآت على جزيرة كيش الإيرانية. كان أول من تطرق الى هذا العقد المزعوم وكالة تسنيم الإيرانية المحافظة في شباط 2020، كما نسب موقع آخر الى عضو البرلمان المتشدد حسن نوروزي قوله انه كتب الى روحاني مطالباً بإيضاح لما اسماه «المفاوضات التي تجريها الحكومة لوضع جزيرة كيش تحت سيطرة الصينيين لمدة 25 عاماً». لم يخف نوروزي استياءه من تكتم الحكومة على تعاملاتها السابقة مع بكين وأعلن أنه سيسعى لوقف اي حوارات بهذا الشأن، إن وجدت، وان على المسؤولين الصينيين ايضاً ان يفهموا ان مثل هذا الاتفاق لا يمكن ان يتم.»
قد يلقى خطاب نوروزي المتحمس صدى بين ابناء شريحته من فقراء بلدة «رباط كريم» بيد ان الغضب البرلماني ليس من بين العوامل التي تؤخذ بالاعتبار في حسابات الأمن والدفاع، فالبرلمان الإيراني لا يمتلك سلطة فعلية بمقابل الجيش ووزارة الدفاع والمرشد الأعلى، بيد أن تصاعد مثل هذه التهديدات علناً عبر الإعلام يتضمن إيحاء بأن ثمة مصداقية وراء الشائعات وان النشاط الصيني ربما يكون قد قطع شوطاً ملموساً وبات ملحوظاً للعيان.
على مدى نصف قرن مضى كانت الولايات المتحدة هي المتسيدة الوحيدة على المياه الدولية في الخليج لا تنازعها فيها قوة أخرى. ولكن شيجنبنغ لديه طموحات كما يبدو لتحدي الولايات المتحدة وفرض نفوذه العسكري على ممر ستراتيجي آخر في العالم مثلما فعل سابقاً في بحر الصين الجنوبي ومضيق باب المندب.
فرض الصين المتنامي قوتها العسكرية له ارتداداته المختلفة. فقد دأبت وزارة الخارجية الأميركية على افتراض انها تستطيع قيادة المسيرة حيثما تشاء ولن يكون امام اعضاء مجلس التعاون الخليجي سوى السير خلفها طائعين. ربما كانت دول الخليج محبطة من سلوك واشنطن ولكنها تدرك أن الخطر الاتي من طهران لا يترك أمامها سوى خيار واحد هو تجرع الغطرسة الأميركية بابتسامة عريضة. إلا ان روح العداء من جانب الكونغرس والحزبين تجاه السعودية تجعل قادة هذه الدول تفتش في أماكن أبعد عمن يوازن الكفة. لقد اكتسبت الولايات المتحدة خبرة في نشر قواتها، ولكنها لم تعتد الاضطرار للتنافس ومن الملح اليوم ان تتعلم ذلك لأن واشنطن لم يعد يسعها اعتبار الإمارات العربية والسعودية والبحرين، ناهيك عن الكويت وقطر وعمان، مسلّمات حتمية.
من ناحية أخرى تجعل طموحات الصين العسكرية في المنطقة من توقف اسرائيل عن مغازلة الصين أمراً شديد الحساسية، فقد دأب جيل من الزعماء الاسرائيليين على محاولة اللعب على الحبلين .. الشراكة مع الولايات المتحدة ومحاولة بيع الصين في الوقت نفسه تقنيات عسكرية حساسة. كثير من المسؤولين الاسرائيليين يبررون هذا بالقول أن رعايتهم للصين تحول دون القاء كامل ثقلها الى جانب أنظمة المنطقة. هذه كلها اعذار ساذجة، ومتى ما اشادت الصين قواعد لها في الخليج وجب أن تنتهي تلك الأوهام كلها دفعة واحدة، وما لم ينته الاسرائيليون ايضاً الى استنتاج مشابه فسوف ينبغي على كلا الجمهوريين والديمقراطيين إعادة النظر في استمرار ضمان امتلاك اسرائيل تفوقاً عسكرياً نوعياً. لا ننس هنا ان ما تبذله الولايات المتحدة لأمن اسرائيل كان دائماً جزءاً من حساباتها الستراتيجية الأوسع، ولكن متى ما تحولت اسرائيل الى مصدر تهديد ستراتيجي في اي حرب باردة جديدة فسوف يكون لزاماً على الولايات المتحدة ان تخفف التهديد الذي يمكن ان يشكله تسرب التكنولوجيا الاسرائيلية على قواتها في المنطقة.