الصحة والبيئة .. مدخولات اقتصادية لاستدامة الإنسان

العراق 2019/01/02
...

د. مصطفى كامل
لا شك في ان البيئة المنتظمة والسليمة تستند في تكوينها واعدادها وتأهيلها الى أسس ومعايير علمية صحيحة ترفد بدورها الجانب الصحي وتقوي صحة الانسان. فلا يمكن ان يتحسن الجانب الصحي لدى السكان بمعزل عن تعزيز العوامل الداعمة لبيئة سليمة.
فكلاهما مكملان لبعضهما البعض ومكونان لبنية المجتمع المتكامل صحياً في الوقت ذاته، ما يفسح المجال في دعم عمر الانسان ووقايته من الامراض والأوبئة التي قد يتعرض لها في حال تجاهل احداهما.
تسعى كل المجتمعات في العالم الى المنافسة الحادة في تقديم أفضل الخدمات الصحية والرعاية الطبية الممتازة، ودعم الجانب البيئي من اجل معافاة ابنائها بعدة أساليب وطرق منها تطبيق المعايير الدولية وأخرى اجراءات محلية، تهدف الى سلامة المواطن من التعرض للأمراض الانتقالية والخطرة والمزمنة، الامر الذي ينعكس ايجاباً في دعم مقدرة المواطن في تكوين الاسرة وبناء المجتمع وزيادة انتاجيته ما يدعم الاقتصاد الوطني.
ان المجتمع المريض الذي تنخفض فيه المؤشرات الصحية، ترتفع لديه حالات الوفاة وانخفاض في متوسط عمر الانسان فضلا عن عدم مقدرة المؤسسات الصحية المحلية من استيعاب جميع الحالات المرضية التي تردها، ما يسبب ضغطاً كبيراً على الموارد المالية النادرة من اجل تهيئة كوادر طبية وأجهزة ومعالجات مناسبة للحالات المرضية، خصوصاً ان البلدان النامية تعاني من شح الموارد المالية وارتفاع عدد الحالات المرضية، وانخفاض الوعي الصحي وتراجع في مؤشرات البيئة المناسبة والسليمة؛ اذ ان البيئة في تلك البلدان في الغالب غير مؤهلة للعيش بشكل صحي الامر الذي يجعلها جاذبة للأمراض والاوبئة.
بعد الثورة الصناعية التي اجتاحت العالم في القرن الثامن عشر تركزت الثروات في الأنشطة الصناعية وقد دعم ذلك الاتجاه التطورات التقنية التي أضافت الى حقول المعرفة الكثير من الحقائق العلمية، ليجد العالم نفسه بعد أكثر من قرنين من الزمن امام مأزق مصيري كبير تمثل بضغط الصناعة على الجانب البيئي؛ اذ أدى التطور الصناعي الى تآكل سريع في البيئة.فارتفاع معدلات التلوث البيئي هدد سلامة الغلاف الجوي وتزايد المخلفات الصناعية اخذ يهدد حياة الانسان، الامر الذي أسهم في تفشي الكثير من الامراض وأنذر بخطر يهدد انقراض البشرية في وقت قياسي فتصاعدت الدعوات الدولية في الربع الأخير من القرن الماضي بضرورة المحافظة على البيئة وبشكل مستدام للحفاظ على حياة الانسان فضلا عن تعزيز الجهود الدولية في مجال الرعاية الصحية لإنقاذ المجتمعات من الامراض والاوبئة التي اخذت تفتك بها.
وعليه فان سلامة البيئة انما يعني سلامة الانسان ولكي يتحقق ذلك لابد من الاهتمام بزيادة المساحات الخضراء ومعالجة التلوث الصناعي والمخلفات الصناعية بأحدث الطرق العلمية التي تدني الخطر الى اقل قدر ممكن، والمحافظة على نظافة الأماكن العامة والشوارع ورفع النفايات بشكل دوري، ودعم الأنشطة المجتمعية التطوعية في زراعة الأماكن والمساحات العامة والتي تخدم المجتمع، فضلا عن دعم وتعزيز الجهود الحكومية والخاصة والدولية في الجانب الصحي من خلال تأهيل الكوادر الطبية ورفع كفاءة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات والمراكز  الصحية.
في ظل هذا الحراك الدولي الحثيث نجد بلدنا لايزال بعيداً عن المعايير الدولية في كل من الجانب الصحي والبيئي، خصوصاً ان إنتاجية وكفاءة وزارة الصحة والبيئة مازالتا خجولتين وغير مرضيتين وذلك بدلالة ارتفاع اعداد متلقي الخدمات الصحية من العراقيين في الخارج، اذ تستقبل العديد من بلدان العالم (مثل الهند، تركيا، ايران، لبنان والأردن) على مدار الأسبوع اعدادا هائلة من العراقيين يتجاوز عددهم 250 مريضا في كل رحلة خلال الأسبوع الواحد، مما شكل قناة مهمة لخروج العملة الأجنبية، وفي المقابل ان تراجعا واضحا في أداء المستشفيات والمراكز الصحية والبحثية الطبية في العراق، وضعفا واضحا في التعليمات والضوابط المتعلقة بمنح الاجازات ومزاولة المهن الصحية بشكل
 عام.
ما جعل العديد من العيادات الطبية تستغل المرضى بشكل غير انساني، تأتي هذه المؤشرات بالتزامن مع افتقار البيئة لأبسط مقومات الحياة السليمة اذ ان ظاهرة التصحر باتساع وتراكم النفايات والمخلفات الصناعية في الأماكن العامة وعدم نظافة الشوارع وقلة المساحات الخضراء، فضلا عن ارتفاع حجم مخلفات الأجهزة الالكترونية بسبب زيادة استيراد الأجهزة الالكترونية المستعملة ذات العمر الإنتاجي المحدود وضعف عمليات التخلص من تلك المخلفات.
ان ضعف تطبيق القانون بدوره اثر سلباً في ممارسات الافراد اليومية اذ تتزايد اعداد مربي المواشي والاغنام داخل المدن حيث يجري ذبح تلك المواشي والاغنام في الأماكن العامة دون ضوابط فضلا عن ذبح الدواجن بالسيارات الجوالة ورمي مخلفاتها في الشوارع العامة، الامر الذي أضر بالمظهر العام للشوارع والاحياء في بغداد وباقي المحافظات، وتفشي الامراض والاوبئة بسبب رمي مخلفات تلك الحيوانات في الأماكن العامة. كل تلك المؤشرات تسببت بتراجع واضح وخطير للبيئة والصحة مما تركت المواطن عرضة لأخطر الامراض ومن ثم تراجع ادائه الاقتصادي في
 المجتمع.