جواد علي كسّار
لو ابتعدنا قليلاً عن استهلاكية الإعلاميين والسياسيين وابتذالهم لكلمة «تأريخي» و«تأريخية»، كوصفهم لهذا القرار بـ«التأريخي» ولتلك الزيارة بـ«التأريخية»، وما هما كذلك، فمن المؤكد أن توقيع 29 كانون الأول 2006م كان تأريخياً، بل مثقلاً بالتأريخية بامتياز، من جميع حيثياته وفي دلالاته كافة.
لكن ماذا بعد التوقيع؟ كنتُ في زيارة إلى شارع المتنبي قبل سنوات، عندما واجهني الكتاب حال صدوره المفترض أو المزعوم عن دار سودانية سنة 2014م، وقد رابني سعره الزهيد، وكثافة انتشاره في المكتبات وعند باعة كتب الأرصفة. اشتريته دون تردّد، وأمضيتُ الساعات في مراجعته وقراءته والتهميش عليه، قبل أن أعود إليه بمناسبة كتابة هذا العمود. يقع الكتاب في (479) صفحة من الحجم الكبير، يحكي قصة صدام لحظة اعتقاله فمحاكمته فتنفيذ حكم المحكمة بإعدامه، مع مقدّمات عن حياته الشخصية والسياسية، مزوّداً بمجموعة قليلة من الوثائق والصور.
تعنيني من الكتاب أمور عدّة، في طليعتها أن الفريق الذي دوّنه خبير بالعقلية العربية الموغلة بحبّ الشعارات والعنتريات، المولعة بأسطورة البطل، الميالة إلى صناعة الطاغية الذي يذلها ويحتقرها ويسترخص حياتها ودمها، في بطشه ونزواته وحروبه، وهذه هي الصورة التي يسوقها الكتاب لصدام إلى القارئ العربي، لأن من هُم وراء تأليفه يدركون بعمق حاجة الرأي العام العربي لمثل
هذه الصورة.
على مسار آخر، يعطينا الكتاب رواية مليئة بالأكاذيب عن الاعتقال والمحاكمة والإعدام، قائمة على الادّعاءات ومن دون وثائق وأدلة، ومعها تفاصيل يزعم مؤلفو الكتاب أنها خواطر وذكريات أملاها
عليهم صدام.
من ادّعاءاته مثلاً أن صداماً زار مدينة الثورة في يوم سقوطه نفسه واحتشد له الناس، وحين انتقل إلى الأعظمية جُرح بنيران دبابة أميركية، هكذا إلى ادّعاءات وقصص ومرويات امتلأ بها الكتاب، دون أن يعني ذلك خلوّه تماماً من معلومات صحيحة، بل ووقائع ونصوص واعترافات لصدام بعضها خطير، من قبيل حديثه المكرّر عن «خيانة» أجهزته الخاصة له على حدّ تعبيره، في أواخر حكمه، وبيعه وولديه من قبل مقربيه أثناء مطاردتهم بالدولارات الأميركية!
أعود الآن إلى السؤال الافتتاحي: لقد قدّمت الخبرات التي تحشدت وراء اسم خليل الدليمي، قصتها في كتابها: «صدام حسين من الزنزانة الأميركية: هذا ما حدث!» فأين قصتنا، ولماذا لم تُكتب بعد؟
لا أشك لحظة أن توقيع 21/ 12/ 2006م كان توقيعاً شجاعاً، صدر من رجل شجاع، وهو قرار تاريخي أدى إلى تنفيذ القصاص بأبرز طغاة العراق خلال قرن، لكن لماذا بقي هذا التوقيع، وكأنه حلقة منفصلة تتحرّك في الفراغ، لم نستطع أن نؤسّس له ونشيّده، ولو بكتاب يملأ ذلك الفراغ؟!