رجل القانون والعربيَّة ‬‬

العراق 2020/08/11
...

سلام مكي
 
 
رجل القانون، بمختلف عناوينه.. محام، قاض، حقوقي,.. لا بدَّ أن يمتلك عدة كاملة، كي ينجح في عمله، فعليه أن يطلع على ما يصدر من قوانين وتشريعات وتعليمات وأنظمة في مختلف الفروع والمجالاتوليس هذا فحسب، بل عليه أن يطلع على الجانب الأهم والأساس في عمله وهو اللغة العربية، وذلك لأن صميم عمله يكون أما أثناء المرافعات والمحاكمات،
من خلال الدفاع عن موكليه، أو بالكلام أو بكتابة اللوائح وتقديم الدفوع والطلبات، وهناك من يمتلك القدرة على اشاعة الثقافة القانونية، عبر وسائل الاعلام، من خلال تأليف الكتب، والظهور عبر وسائل الاعلام المختلفة لشرح نص ما، أو إبداء الرأي حول قضية
عامة.
وبالتالي، لابد من اتقان اللغة العربية، بشكل يحصن رجل القانون من الوقوع في الغلط أثناء الكتابة أو اللحن أثناء الكلام. كليات القانون، وللأسف، لم تولِ اهتماما كافيا بتدريس الطلبة اللغة العربية، بل ارهقتهم بمناهج بعيدة كل البعد عن الواقع العملي، فحصة اللغة العربية وعلى مدار 4 سنوات دراسية، لم تكن إلا بضع ساعات فقط، تعطى كمادة هامشية غير مؤثرة على مستوى الطالب ولا سعيه العام. في حين هنالك مناهج تخص جوانب معينة، ليست سوى ثقافة عامة، كالمناهج التي تخص المنظمات الدولية والاقتصاد التي لا يحتاجها الطالب كثيرا في حياته العملية مثلما يحتاج اللغة في كل
مفاصل عمله.
 وهذا الأمر أدى بالنتيجة إلى ظهور أجيال مختلفة، تجهل اساسيات اللغة العربية عدا القلة ممن استطاع ان يثقف نفسه ذاتيا ويعتمد على خبرته الخاصة في تعلم اللغة العربية، كونه أدرك أنه غير قادر على الاستغناء
عنها.
ومن جملة ما سببه تجاهل اللغة العربية في كليات القانون، هو ظهور مطبوعات وكتب أغلبها غير منهجية، مثل الكتب التي ظهرت في الآونة الأخيرة، بعضها تحتوي اخطاء كثيرة وكبيرة، لا يمكن السكوت عنها، بعض تلك الأخطاء اسلوبية
ونحوية وصرفية.
 والسبب يعود إلى المؤلف نفسه الذي كان عليه على الأقل، أن يرسل كتابه الى مصحح لغوي، كذلك دار النشر التي عليها أن تخرج الكتاب، بكامل صورته، خاليا من الأخطاء والهنّات التي تخدش مكانة الكتاب عند القارئ. والسبب الأول والأخير يعود لعدم امتلاك بعض الكتاب، صورة حقيقية عن أهمية اللغة ودورها في تثبيت أو تشتيت منجزهم لدى المتلقي، وعدم معرفتهم أن تجاهل اللغة، يعني تجاهل أهم جانب من جوانب الكتابة وهو اللفظ الذي لا غنى عنه في إيصال الفكرة. فما معنى أن تطالع كتابا لمؤلف يعمل استاذا في جامعة عربية مرموقة والدار من أهم دور النشر المختصة بالقانون، يتضمن اخطاء كثيرة، أضرت بشكل كبير بقيمة المؤلف وأهميته، وبينت للقارئ أن المؤلف ودار النشر، لا يملكان 
ثقافة لغوية. 
فلا يوجد ما يؤيد أن المؤلف اعترض على الكتاب ولا دار النشر، اعتذرت عن الخطأ، ومضى وكأنه امر طبيعي لا مشكلة فيه. ثم يأتي الطالب بعد ذلك ليرى أن استاذه يكتب بهذه اللغة فيتصور أنها كتابة صحيحة، وهكذا، يتم تكريس فكر ولغة غير صحيحة، على مر الأجيال، دون أن نجد من يطالب بضرورة جعل اللغة العربية كمنهاج رئيس وأساس في كليات القانون، لا يمكن لطالب القانون أن يجتاز دراسته، إلا بعد أن
يجتاز العربية. 
إنها دعوة لكل المسؤولين في التعليم العالي والجامعات والاساتذة إلى مراجعة شاملة لمناهج كليات القانون، بغية تضمينها ما يهم الطالب في حياته العملية، خصوصا ما يعلمه كيف يكتب بشكل صحيح، ويتكلم بلغة فصيحة، بليغة، تؤثر في السامع وتترك في نفسه أثرا بالغا، خصوصا وإن المحامي والحقوقي ،ينصب عملهما القضائي على إقناع المحكمة بوجهة نظرهما وهذا لا يمكن أن يحدث دون أن يكون هنالك اتقان للعربية.