المصالح أساس علاقاتنا

العراق 2020/08/23
...

سالم مشكور
واضح من كلمات وتصريحات رئيس الحكومة في العاصمة الاميركية أن الاقتصاد هو الملف الأول في ترتيب أولويات ما تريده الحكومة العراقية من واشنطن. هو يكشف عن إدراك بأن الحل يبدأ من الاقتصاد وإطلاق الاستثمار، وأن العلاقات القائمة على المصالح الاقتصادية تكون أكثر رسوخاً من تلك الخالية من هذه المصالح. الاقتصاد هو المحرّك للسياسة والعلاقات الدولية تقوم على المصالح المتبادلة. ليس شرطاً أن تتم مبادلة المصالح الاقتصادية بأخرى اقتصادية، انما قد تكون مصالح اقتصادية مقابل دعم أمني أو سياسي. من هنا فان براعة الحاكم تكمن في قدرته على خلق مصالح للآخرين كي يكون أمنه واستقراره مصلحة لتلك الدول أيضاً. هذه المصالح تخدم الدولة المضيفة نفسها مثل مشاريع الطرق والصناعات الثقيلة والكهرباء وغيرها. لا ننسى ما قاله وزير الدفاع الأميركي أمام لجنة الدفاع في الكونغرس عندما سألوه: لماذا تحركنا لوقف وصول داعش الى أربيل ولم نتحرك عندما هُددَت بغداد؟ كان جوابه: "لدينا مصالح في أربيل وعلينا الدفاع عنها".
في المقابل فان المصالح الاقتصادية يجب الا تكون مكبّلةً للسياسة والسيادة. ففي أميركا تعمل الإدارة (أي إدارة) بضغوط ورغبات الشركات العملاقة التي تفوق ميزانيتها ما موجود في دول كثيرة. شركات النفط، والسلاح، وتكنولوجيا المعلومات، التي باتت الأقوى والأكثر مالاً. هذه الشركات، تحرّك سياسات التدخل في أنحاء العالم لتغيير أنظمة وافتعال حروب وزعزعة استقرار دول. الى جانب دفع دول الى الاستدانة بحجة تنفيذ مشاريع كبيرة تذهب الى شركات أميركية بينما تعجز هذه الدول عن السداد فتدخل السياسة هنا لترهن المواقف وتساعد مقابل شروط. هذا ما يشرحه بالتفصيل "جون بيركنز" الذي كان لسنوات طويلة يمارس هذا العمل ضمن أجهزة أميركية قبل أن يقرر ترك العمل وكشف خفاياه في كتاب أسماه "الاغتيال الاقتصادي-مذكرات قرصان اقتصادي".
خلال سنوات ما بعد 2014 اقترض العراق من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما مبالغ لا تعد كبيرة قياساً بحجم وارداته من النفط لكنها – اي الديون- كافية لعزوف الشركات الكبرى عن الدخول الى السوق العراقية خشية التعثر في السداد. في هذه الحالة، يبقى نموذج الاتفاق الصيني مناسباً للعراق، وإذا كانت واشنطن ترفض هذا الاتفاق، لفسح المجال أمام شركاتها للعمل في العراق، فما الذي يمنعها من اعتماد هذا النموذج بدل تكبيل العراق بمزيد من الديون. 
لا سبيل أمام اقتصادنا للنهوض الا باعتماد نماذج استثمارية لا تتطلب نقداً مباشراً، بينها الدفع نفطاً أو التنفيذ بطريقة (BOT) أي البناء والتشغيل مقابل أجر لحين استحصال الكلفة والارباح ثم التسليم للحكومة.