فرص عمل شحيحة واستقرار مالي غائب.. مشكلة تشغل بال الشباب

ريبورتاج 2020/08/24
...

بغداد/ بشير خزعل

من المتوقع أنْ يصل عدد الفتوة والشباب في العراق إلى 16,4 مليون نسمة، أي ما يقارب 31 % من إجمالي السكان بحلول العام 2030. وما يثير المخاوف إنّ المؤشرات تبيّن استمرار ارتفاع معدل البطالة بين أوساط الشباب من خريجي الجامعات وحملة الشهادات الأخرى مع استمرار تفاقم المعضلة الاقتصادية بسبب تداعيات الانكماش الاقتصادي العالمي بعد انهيار أسعار النفط التي تأثرت بسبب جائحة كورونا.

البطالة
وحسب مصادر في وزارة التخطيط العراقية فإنَّ ارتفاعاً بنحو 3 في المئة طرأ على نسبة معدل البطالة في عموم مدن البلاد منذ شهر آذار الماضي، على خلفية توقف آلاف الوظائف بسبب حظر التجول والإجراءات المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا، فضلاً عن لجوء شركات وقطاعات مختلفة في البلاد إلى تقليص عدد العاملين لديها إلى نسب قياسيَّة بسبب خسائر لحقت بها، تضاف إلى ذلك الاقتطاعات الواسعة من الأجور التي طالت عدداً كبيراً من المهن.
 
مطالب الشباب
علي عبد الواحد (26 عاماً) أحد المتظاهرين في ساحة التحرير قال: إنَّ "أهم الأسباب التي دعت أغلب الشباب المتظاهرين الى الخروج للشارع هي عدم وجود خطط وبرامج واعدة وملموسة تهتم بشريحة الشباب، فبرامج الحكومات المتعاقبة لم تستطع إيجاد حلٍ لجيوش العاطلين من أصحاب المهن وخريجي الجامعات والشهادات العليا، ومع مرور كل عام يزداد عدد العاطلين عشرات الآلاف بسبب عدم وجود فرص عمل حقيقيَّة سواء في القطاع الخاص أو العام.
كرار صاحب (27 سنة) خريج كلية الإدارة والاقتصاد وهو صاحب (بسطية) لبيع الملابس في منطقة شارع فلسطين، بين أنَّ "عدد خريجي الجامعات المعطّلين عن العمل يتساوى مع أولئك الذين لم يكملوا تعليمهم"، مؤكداً أنَّ "أغلب أصدقائه في الجامعة تطوعوا في الجيش والشرطة بسبب ظروفهم المعيشيَّة الصعبة، ورغم مراجعته لأكثر من وزارة على مدى 4 سنوات بعد تخرجه إلا أنه لم يحصل على أية فرصة عمل".
واضاف صاحب: "البطالة أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت العراقيين إلى ساحات التظاهر منذ تشرين الأول الماضي وتحولها إلى احتجاجات شعبيَّة".
 
أسباب
البطالة المزمنة الموروثة من تراكمات الماضي واستفحالها في ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003، وحسب إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإنَّ معدلات البطالة في العراق بلغت مليوناً و200 ألف عاطل عن العمل, والكثير منهم من حملة الشهادات الجامعية, وقد ازدادت البطالة بسبب تعطل القطاع الخاص وترهل القطاع العام بمئات الآلاف من الموظفين ولغياب المعالجات والحلول لهذه الظاهرة التي تتوسع يوماً بعد آخر.
 
أساس المشكلة
الباحث الاقتصادي لؤي محمد الشمري قال: إنَّ "إحدى أهم مشكلات الشباب هي الحصول على فرصة عمل لبناء مستقبل واعد وتكوين أسرة، هذه هي المشكلة الأساسيَّة للشباب العراقي، لو كان العمل متاحاً ومؤسسات القطاع العام والخاص تستوعب الخريجين كل عام لما رأينا التظاهرات والفوضى، وقد تكون هناك تظاهرات لمطالب سياسيَّة تدوم لساعات ثم تنتهي، لكنَّ تفشي البطالة بين العراقيين وخاصة بين الشباب الخريجين, أدى الى تظاهرات احتجاجيَّة غاضبة مطالبة بتوفير فرص العمل للعاطلين".
 
ضعف
وأضاف الشمري: "عكس معظم بلدان العالم فإنَّ وظائف القطاع الخاص في العراق تفقد جاذبيتها بالنسبة لمعظم الشباب، إذ تعاني من تدني الرواتب والمخصصات، فضلاً عن انعدامٍ شبه كامل لحقوق الموظف في حالات الفصل التعسفي، وفقدانه حق الحصول على التقاعد بعد بلوغه السن القانونيَّة، لذا يسعى العراقيون إلى الحصول على فرصة تعيين حكومية وإنْ كانت براتب ضئيل ويفضلونها على وظائف القطاع الخاص لأنها بلا مستقبل وبسبب ضعف القطاع الخاص وغياب القوانين التي تنظم عمله أو تضمن حقوق العاملين فيه، هذا الإهمال وعدم الاهتمام يدفع بالكثير من أصحاب رؤوس الأموال الجشعين إلى استغلال حاجة العاملين معهم وعدم منحهم حقوقهم بشكل كامل، فلا يوجد قانون يجبرهم على تعديل الرواتب أو تحسينها مراعاة لظروف العمال والموظفين، مهما بلغت درجة استغلال أصحاب العمل لهم".
 
استقرار
ويرى الدكتور رحيم السراي (أستاذ علم النفس في جامعة بغداد) أنَّ "الاستقرار المعيشي للشباب مهمٌ جداً في خلق بيئة مستقرة اجتماعياً لا تشوبها المنغصات والضغوطات التي تؤدي الى حدوث ظواهر وحالات غريبة على المجتمع مثل تعاطي المخدرات أو المتاجرة بها وازدياد حالات العنف الأسري وتزايد معدل الجريمة".
واضاف السراي أنَّ "خلق فرص عمل حقيقية للشباب، سواء لخريجي الجامعات أو لغير المتعلمين هي أهم القواعد الأساسيَّة في بناء مجتمع مستقر وبعيد عن الانخراط في ظواهر الفوضى وتموجات الأحداث القريبة أو البعيدة"، وأكد: "لا يمكن بناء مجتمع ودولة مع بطالة تستوعب آلاف الخريجين في الشوارع في كل عام".
 
هجرة
ولفت السراي الى أنَّ قلة فرص العمل والظروف المعيشيَّة الصعبة دفعت بالكثيرين إلى الهجرة خارج البلاد بحثاً عن فرص أفضل ربما يحصلون عليها في العمل والعيش الكريم، حتى بلغ عدد العراقيين المقيمين في الخارج وفقاً لآخر تقدير الى نحو أربعة ملايين شخص، ونسبة كبيرة من هؤلاء هم من الباحثين عن فرص عمل وحياة أفضل، ويضطر بعض العراقيين المهاجرين إلى العمل في مهن متواضعة في الدول التي يقيمون فيها، من أجل توفير نفقاتهم وأسرهم".
 
معالجات
حسب وزارة التخطيط فإنَّ نسبة البطالة في العراق بلغت 13.8 بالمئة وترتفع بين شريحة الشباب الى 27 بالمئة، وأكدت الوزارة "تبنيها سياسة اقتصاديَّة مولدة لفرص العمل ومحفزة للقطاع الخاص، وقد تجسد ذلك بإطلاق المشروع الوطني لتشغيل الشباب والمشروع الوطني للأمن الغذائي، وتشجيع المناخ الاستثماري، وحماية المنتج، كما تضمنت الخطط، ربط مخرجات التعليم بمعطيات وحاجات سوق العمل، وتبني برامج تأهيليَّة وتدريبيَّة للتثقيف بالعمل في القطاع الخاص، وتوجيه الموارد الاقتصاديَّة صوب الأنشطة كثيفة العمالة". 
 
مشروع الشباب
المشروع الوطني لتشغيل الشباب والذي جوهره منح الشباب قروضاً ميسرة لتأسيس مشاريع متوسطة بوشر بتنفيذه في كلٍ من محافظات (ذي قار، والديوانية، والأنبار، والنجف الأشرف)، وسينفذ في عموم المحافظات بعد إكمال الحكومات المحلية لجميع الإجراءات اللازمة لتنفيذه، وينطلق المشروع من رؤية تنص على "خلق قطاع خاص منظم بفرص واعدة للشباب"، ورسالته هي "تنظيم العمالة والاقتصاد عبر خلق وتطوير المشاريع المتوسطة"، وأهدافه هي معالجة مشكلة البطالة عن طريق إقامة المشاريع المتوسطة وتنظيم الحرفيين في مناطق تنمويَّة وتأهيل القطاع الخاص من خلال تنشيط المجتمع بالعمل الجماعي وتطوير قدرات العاملين، ويندرج المشروع ضمن عنوان المشاريع المتوسطة الاستثمارية وفقاً لقانون الاستثمار العراقي رقم 13، ويتضمن هذا القانون (منح قطعة أرض وإعفاء ضريبي لمدة عشر سنوات وإعفاء كمركي) للمستفيد منه. ويعطى المشروع لـ(10) من الشباب كحد أدنى للمشروع الواحد، ممن أكملوا الثامنة عشرة من العمر، ومن غير الموظفين أو المتقاعدين، التشارك بمشروع واحد.
وبموجب المشروع يمنح البنك المركزي قرضاً لكل عضو في المشروع يتراوح بين (35 - 50 مليون دينار) وفقاً لدراسة الجدوى، على أنْ يكون القرض بضمانة شركة مطورة، تشرف على المشروع وتهيئته وإيجاد السبل الصحيحة لإنجاحه وتطويره، وصولاً الى استرجاع رأس المال خلال مدة (4 – 5) سنوات وبذلك يكون مشروعاً ناجحاً وفقاً للمعايير البنكيَّة.
 
تنمية مستدامة
الحكومة العراقية وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسف أطلقت نتائج مسح يهدف إلى تمكين الحكومتين المركزية والإقليمية من تطوير وإعداد السياسات التي ترتكز على الفتوة والشباب، بناءً على ما يرونه من أولويات أساسيَّة، في سبيل تحقيق مستقبل هادف. ووفقاً لبيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة للسكان، يعدُّ المسح الوطني للفتوة والشباب الأول من نوعه منذ عقد من الزمن، إذ أجري المسح السابق في العام 2009. وشارك في المسح، الذي استمر من شهر شباط لغاية شهر نيسان 2019 نحو 33 ألف عراقي تتراوح أعمارهم بين 10 و30 عاماً في جميع المحافظات.