جمعة الحلفي بين الادب والصحافة (2-2)

ثقافة شعبية 2020/08/25
...

منذر زكي

فتح أبواباً على خيوط ناعمة، تناثرت أزهاره على من يحب، تحاور مع أنفاس الهواء بعطر الياسمين، غرد مع الطيور والقمر يندي عشقاً، اصبحواً جسداً واحداً حسناً وجمالاً.
لقد أضافت الغربة للشاعر (جمعة الحلفي) رغم قساوتها لهُ، طعماً لذيذاً وحساً مليئاً برحيق النحل، إذ كانت قصائده ذات طابع سمفوني لأوبرا النص، سواء في الريف أو المدينة، إذ اكتوى الكثير من قصائده بنار الفصحى.
 
 
 
 
وضع بذرة فسقاها بماء المُزن، عمل عملاً دؤوباً، واضمحلت عيناه لبزوغ الفجر، حوت أغصانه ثمار الجنة، والعناقيد على أكتافه تزهو والأوراق المخضرة مرتفعةً دون انكسار، تحاور مع الحيرة عدة مرات للوصول الى المجتبى، احمرت مقلتاه في ذوبان الشمع والسهر، تاه في حزن الفراق تارة مع نفسه وتارة مع ظل الحبيب، حتى توقف الماء عن الظهور.
 
حيره نومك..
حيره تصحه..
وحيره تغفه..
وحيره ترضه..
وحيره تزعل..
وحيره يتخالط دمعنا
وحيره يصفه..
نايم وانه وي شمعاتك اسهر
مدري يا هو البينه يبجي
ومدري يا هو البينه يحجي
ومدري يا هو البينه ما ظل بيه دمع
 
بعد هطول التغيرات في اللغة الفصيحة في بادئ الامر، نتيجة الغزوات المتكررة، والهيمنة ايضا من قبل أمم ذات لغات أجنبية  بحتة، وكذلك تشظيها تعمداً لسهولة التبادل التجاري بين القوافل الرحل، حيث اغتنم كل بلد صيغة معينة، تشابهت في المعنى واختلفت في التركيب، اذ قام الشعراء الشعبيون بعد (التشظي للغة) بصياغة النصوص تخاطبيا مع اقرانهم في الحدود الواحدة.. (ثوريَّة كانت أم غزلاً أم رثاءً).. أما الذين امتازوا من هؤلاء الشعراء فهم الذين اصطفوا بقرب (اللغة الفصيحة) رجوعاً منهم للغة الأم، وبالتالي التوسع خارج محيط التقيد الثقافي للشاعر الشعبي، إذ تشابه معها في الكثير من الجوانب، بل أغرقوها بما استطاعوا وصولاً للحداثة المطلوبة.
تواضع أمام جمال شامخ، متأملاً عذراً لتخطيه برزخ السماء التفت حائراً بين رموش غاصت ليلاً.. وخصر أسبغ عليه الحسن زهداً، والخمر على الشفاه يذوب، والكأس بيد ثملة، ترجو تلمساً في الهواء الطليق. 
 
لا تكبر علي آنه مانه بكد غلاتك
سايم الله عليك تعذر 
سايم الله على الرفيف بن رمشك والخصر 
ليل وشموع وسكر كاسات 
ما يخلص هواك 
وعشرتك ليلة خضر
 
الكهف مظلم.. والقمر مزاجه سيئ الطالع، والأصوات تتهامس في الداخل والحديث لا ينفع، والجميع تائه، تعثروا شيئاً على شيء فازدادوا ضياعاً، صمتوا دون حراك، بانتظار ضوء يسير على خُطاه للخلاص من عتمة عشواء، فهل هنالك منفذ لكهفهم. وهل من صباح قريب..؟