الهـــنــد تــنــوّع منــــاهـــج مدارســــهــا

بانوراما 2020/09/02
...

   كاترين جيلون
  ترجمة: بهاء سلمان
قدمت لي مؤخراً بنت أحد أصدقائي، اسمها ميغنا بالاجي، نصيحة ملؤها الحكمة لإيقاف انتشار وباء حيواني المصدر، مثل فيروس كورونا، الذي عبر من الحيوانات الى البشر: «خالتي العزيزة، ستصبح هذه الفيروسات أكثر شيوعاً إذا ما بقينا نستولي على البيئة الطبيعية للحيوانات البرية تحت ذريعة التطوّر والتنمية ... هذا هو التباعد الاجتماعي الذي ينبغي أن نراعيه حقاً.»
وتتضمن حالة التصرّف بنضج وسط خضم «طبيعة عادية جديدة»، حتى لمرحلة ما بعد الجائحة،
 حوادث تطرّف مناخي متكررة ومتزايدة؛ وتذكّرنا فتيات يافعات من أمثال ميغنا بالعالم الكالح الذي نحن بصدد تركه لهم. حالياً، تحاول بعض المدارس الهندية إعداد طلبتها لمواجهة أفضل لتلك الحالات، فهي لا تعلّمهم فقط حيال ما يدور من تغيّر مناخي، لكن أيضا كيفية مواصلة سبل العيش خلال الجفاف وفترات الشتاء الطويلة، ويعلّمون اليافعين عن محاصيل مقاومة للطقس من التي ستنجو من آثار الفيضان الكبير القادم. هذه البرامج برمتها تمثل جزءا من طقم مصنّع بعناية تقوم مدارس ذات مناهج دراسية خضراء بتطويرها، ولو أنها تعرّضت للاغلاق بسبب جائحة كورونا خلال الفترة القليلة الماضية.
في بوفيدهام، «عشق الأرض» بلغة التاميل، هناك مدرسة تقبع وسط منطقة يضربها الجفاف ضمن ولاية تاميل مادو جنوبي الهند، حيث يتم تعليم التلاميذ كيفية زراعة طعامهم والمساعدة في اعادة تجديد أرض الغابة المجاورة.
 ومنذ العام 2017، يعمل طلبة مدرسة لورنس في لوفديل، وهي منطقة أخرى تابعة لتاميل مادو تواجه شحة متزايدة بالمياه، على زراعة نوع خاص من العشب تنتشر زراعته في المنطقة كجزء من محاولة لرفع مناسيب المياه، التي تستنفدها الأعشاب الضارة الغريبة المنتشرة كثيرا في الأرجاء.
 
الاستفادة من النفايات
في ولاية لداخ، أقصى شمال البلاد، هناك مدرسة بديلة اسمها سيكمول (المدرسة البديلة هي مؤسسة تعليمية ذات منهج وطرق غير تقليدية - المترجم)، تعلّم الطلبة كيفية زراعة الخضراوات وتصنيع مربى المشمش باستخدام نظام الزراعة المائية والبيوت الزجاجية، استعدادا لمواسم شتاء ربما تطول أكثر من المعتاد بسبب تغيّرات المناخ، أما مدرسة اكشار فورم، الواقعة ضمن ولاية اسام شمال شرقي الهند، فهي تقبل النفايات البلاستيكية كرسوم من الطلبة، ومن ثم تدرّبهم على تحويلها الى طابوق صديق للبيئة.
تعمل هذه البرامج على تغيير الطلبة.. غوثام (13عاماً) من بوفيدام، انطوائي الشخصية، حسبما اخبرتني والدته، لكنه يتحدث بكل فخر عن كيفية تعلّمه لزراعة الباميا داخل حديقة المدرسة وصناعة السماد الطبيعي، برامج الاستدامة التعليمية ليست فريدة من نوعها بالنسبة للهند، حيث تعمل منظمة بيئية أميركية، تدعى الاتحاد الوطني للحياة البرية، بالتنسيق مع آلاف المدارس عبر 69 دولة، لالقاء محاضرات حول التنمية المستدامة. 
أضافت بعض المدارس داخل المملكة المتحدة الزراعة الى مناهجها الدراسية؛ بيد أن هذه المدارس الهندية مختلفة، فكامل مناهجها الدراسية وعقلياتها لا تدور فقط حول الاستدامة، لكنها تتوجه تحديدا نحو تدريب الأطفال على تحضير أنفسهم لمناخ أكثر عدوانية.
 في بوفيدهام، حسبما تقول مؤسسة المدرسة مينكاشي اوميش، المناهج صممت لتدور حول خمسة عناصر: الهواء والماء والأرض والسماء والنار، «يتعلّم الصبي الصغير كيف تساعد الشمس النبات على النمو.. الأكبر سنا ربما يتلقون محاضرات عن الألواح الشمسية». تقول اوميش، وتتضمن غالبية المحاضرات تجارب عملية يجريها الطلبة.
 
ابتكار البدائل
في مدرسة سيكمول، تزاوج المناهج بين الاستدامة والتقاليد الثقافية المحلية للولاية، يقول بهافيا بهاغتاني، أحد المدرسين هناك: «يتم تعليم الطلبة أهمية المرحاض السمادي الجاف (المرحاض السمادي: هو نوع من المراحيض الجافة التي تعالج فضلات البشر عن طريق عملية بيولوجية تسمى التسميد – المترجم) ومنافع السماد الناتج من تلك العملية»، ويتدرّب الطلبة على صناعة الطابوق باستخدام مواد محلية متوفرة بشكل هائل، مثل القش؛ ناهيك عن محاضرات نظام الزراعة المائية وزراعة الغذاء لمواسم شتاء مطوّلة، بحسب ما يقول ستانزين فونتسوغ، 24 عاما، المهندس المعماري الذي كان أحد طلاب سيكمول؛ فقد تعلّم، بمعية طلاب آخرين، كيفية تشكيل أنهار جليدية اصطناعية تستخدم لخزن الماء تحسبا لمواسم صيف جافة.
تمثل هذه البرامج الأيام الاولى لمثل هذه النماذج المدرسية في الهند، وباستطاعة عدد من المبادرات على هذه الشاكلة تدريب بضعة آلاف من الطلبة فقط ضمن بلد يحتوي على أكثر من ثلاثمئة مليون طالب، لكن تلك النماذج تعطي أمثلة للآخرين، داخل الهند وخارجها؛ فما يبدو ربما كونه خارج المناهج المدرسية حاليا سيصير نظاما أساسيا من المهارات مع التقدم السريع لكوكب الأرض تجاه مستقبل غامض المناخ، ينبغي أن تكون هذه المهارات محلية لكل منطقة بمنطقتها، مع رؤية عالمية، ولربما تعمل هذه المدارس الهندية على إيضاح السبل الكفيلة بتحقيق ذلك.