تطور البناء الشعري في فن الاهزوجة الشعبيَّة

ثقافة شعبية 2020/09/03
...

 عادل الصويري
لم تستطع الرهانات الحضارية والمتعلقة بالعالم المعاصر إلغاء الفنون ذات الالتصاق بالموروثات الشعبية بذريعة عدم انسجامها مع التطور الحاصل، خصوصا بعد إثبات هذه الفنون قدرتها على البقاء، وامتلاكها عناصر المواصلة، والتماهي مع الأحداث، بل وفي صنعها في بعض الأحيان من دون الجمود على إرثها القديم، فهي قابلة للتطور شأنها شأن فنون ونظريات أخرى. ومن الفنون الشعبية التي ينطبق عليها ما تحدثنا عنه في البداية؛ فن الاهزوجة الشعبية العراقية، وهو فن ذو قاعدة جماهيرية واسعة وعريضة في مناطق جنوب العراق وفراته الأوسط. وقد ارتبطت الاهزوجة في موروثنا الشعبي بقيم الإباء والبطولة، وببعض الخصائص المجتمعية والصفات النبيلة، فهي الأنموذج "الشعبي" للأرجوزة التي كان يرتجز بها فرسان القبائل من خلال أبيات شعرية يفتخر الفارس بها بنسبه وشجاعته وعلوِّ شأنه وشأن قبيلته، وتطورت في صدر الإسلام إلى الفخر بقيم التسامح التي ينشدها الدين، أو فخر الانتساب للرسول الكريم (ص).
على المستوى الفني؛ يعدُّ الشعر باللغة الدارجة من أهم عناصر هذا الفن الذي ترافقه دبكات ورقصات خاصة تؤدى بطرق مختلفة بعد أن يتحلَّق الأفراد حول المنشد (المهوال) بشكل دائري، ثم يُقَدِّمون الرجل اليمنى إلى الأمام ويضربون بها الأرض، وهذه الحركات تأتي طبعا انسجاما مع قوة المعنى الذي ينطلق من الكلمات المعبرة (الحسجة) فيكون المشاهد أمام لوحة فولكلورية مكتملة العناصر. وحتى فترة قريبة؛ كان بناء الجملة الشعرية للاهزوجة بناء كلاسيكيا يقوم على ثلاثة أشطر من وزن معين يأتي تاما أو مجزوءا ثم تأتي النهاية التي تسمى بـ (الهوسة) أو (الربّاط) والتي تختلف في وزنها عن وزن الأبيات التي مهدت لها. ولنأخذ الآن مثالا للاهزوجة ذات البناء الشعري الكلاسيكي:
اليهوِّس من يهوِّس كون يحجي الحكَـ
أكَل للزين انت الزين.. والموزين اطكَها اوياه طكَـ ابطكَـ
ما رايد حجي الوجهين.. خوفي من اليكَلّي كَمت تتلوَّكـ
ما يحتاج توشر بيه الباشط فعله مبيِّن
 
ونلاحظ في الشطر الرابع التغيير الايقاعي الحاصل في (ربّاط) الاهزوجة بعد أن خضعت الأشطر الثلاثة الأولى لإيقاع (الهزج).
 
الاهزوجة المعاصرة
أما الشعر الذي يمهد للهوسة اليوم فأصبح ذا ملامح جديدة من حيث البناء، وحتى في الشكل والمضمون. فعلى مستوى الشكل تخلى الشاعر عن هيمنة الومضة القصيرة المكونة من ثلاثة أشطر بشكل عمودي فأصبح الشعر الذي يسبق (الهوسة) قصيدة تعتمد توزيع الوحدات الوزنية (التفعيلات) بشكل غير متساو بين زيادة أو نقصان في خلخلة جميلة للبناء العمودي المعروف، فضلا عن عدم الالتزام بقافية موحدة. كل هذه الأشياء منحت مساحة مريحة للتلقي وانتظار (الربّاط) الذي قد تطول مدته من دون أن يتململ المتلقي المنتشي بجمال العبارات الشعرية التي ينشدها المنشد. والجميل في الاهزوجة المعاصرة أن المنشد (المهوال) هو ذاته الشاعر وهنا يكون المتلقي على موعد مع انسجام الكلام والأداء، فالمؤدي هو ذاته كاتب الكلمات، وهو الأقدر على توصيلها. 
ومن الهوسات الشعبية التي كُتبت بالطريقة المعاصرة (قصيدة تفعيلة قبل الربّاط) التي تحدثنا عنها هذه الهوسة التي كتب كلماتها وأنشدها الشاعر والمهوال (مرتضى حرب):
 
يالكَرنفل واذا ذمّوك
هو انت
كَرنفل والأرواح تفرفح ابشمته
يالمونس الفجر
غرِّد اترسني افّيش
غرّد يا اللذيذ غرابهم سكته
يكَاع اشما يوجعج حجي المسحاادريج
ثمر تنطين ما مش ناس ضايكَته
اعله فطرتنا ونحب الناس... وحتى المايحبنا انحب
تعبانين من الضيم
ومطالب ناسنا اتَّعب
كَمنا انطيح طيحة ماي اعله حس الينتخي ونتعذب تعذّب
خطية الماي من ايطيح ابشي مايكَدر يجلِّب
خطية الشمس من تنباكَـ
اشواياشواي بالمغرب
خطية والخطية اهواي... ويجل لساني من أحسب