ترجمة : أنيس الصفار
يحتدمُ الجدل منذ وقت طويل حول ما اذا كان على الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان في حالة تعرضها لغزو صيني، ولكن قلما أولى أحد التفاتاً الى ما اذا كانت الولايات المتحدة قادرة بالفعل على تحقيق ذلك بنجاح، عند اجراء تقييم محايد بعيداً عن العواطف للقدرات العسكرية على الجانبين يتجلى لنا ان احتمالات هزيمة القوات الأميركية في حرب مع الصين من اجل تايوان مرتفعة. الأسوأ من ذلك هو ان حتى التمكن من احراز نصر تكتيكي قد يفضي الى خسارة ستراتيجية ماحقة. هذا لا يعني طبعاً عدم وجود ستراتيجيات بديلة فعالة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة بثمن مقبول.
قلة من القادة في واشنطن تجشموا عناء اجراء تحليل معمق لقدرات الجيشين الأميركي والصيني، بدلاً من ذلك يستغرق صناع القرار فيما يبدو مجرد تصريحات خطابية لا تكلفهم شيئاً تتحدث عن الافضليات السياسية للولايات المتحدة، تصريحات خاوية بلا مضمون. كان صناع السياسة منذ وقت طويل يطرحون فكرة التخلي عن اسلوب "الغموض الستراتيجي" الذي ميز السياسة الأميركية على مدى عقود في آسيا والاعلان بصراحة ان الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عسكرياً عن تايوان إذا ما تعرضت لهجوم.
إن أي معاهدة تدخل فيها الولايات المتحدة يجب ان يكون من ثمارها الحتمية تعزيز أمن أميركا والحفاظ على امكانيات ازدهارها او توسيعها. من الواضح اذن ان من غير صالح أميركا ربط نفسها بدولة اخرى او كيان ارتباطاً يحملها جميع المجازفات والتكاليف في حين يخرج الطرف الآخر بمعظم المنافع.
أجرى البنتاغون مؤخراً بالتعاون مع مؤسسة "راند" محاكاة لعمليات حربية تكشف منها ان اي صدام عسكري يقع بين الولايات المتحدة والصين، لاسيما بشأن تايوان، ستكون نتيجته المرجحة هي هزيمة الولايات المتحدة.
إذا ما ابدت الصين عزماً كاملاً للاستيلاء على تايوان، كما يقول "ديفد أوشمانيك" المحلل في مؤسسة "راند"، فقد تنجز العملية في وقت قصير ربما لا يتعدى الايام او الاسابيع. ولو افترضنا ان المحاكاة قد هونت من قدرات أميركا على الهجوم المضاد او ضخمت من قدرات الصين على شن العمليات فإن أميركا قد تنجح في صد الهجوم الصيني على تايوان، ولكن مثل هذا "الانتصار" سوف يكون باهظ الكلفة عليها. فبالاضافة الى الخسائر بالارواح والسفن والطائرات سوف تجد الولايات المتحدة نفسها ملزمة بتأسيس تواجد عسكري ضخم لها في تايوان وبناء قواعد في كل ركن من اركان المنطقة لتأمينها ودرء اية محاولة صينية جديدة. سوف يترتب على أميركا ان تنفق مئات المليارات من الدولارات للحفاظ الدائم على هذه الدفاعات وستكون معرضة باستمرار لخطر هجوم جديد.
كذلك ستشكل الجغرافيا مشكلة، فتايوان لا تبعد عن البر الصيني إلا بقدر ما تبعد كوبا عن ذؤابة ولاية فلوريدا، في حين انها تبعد بنحو ستة آلاف ميل بحري عن بر الولايات المتحدة وهذا سيكون له عبء ساحق على ميزانية الدفاع المثقلة اصلاً بالاثار الاقتصادية لجائحة كورونا.
مجمل القول ان خسارة الحرب مع الصين بسبب تايوان ستكون كارثة على أميركا بينما كسبها سيعني افلاسها وخرابها. من الواضح اذن ان واشنطن بحاجة الى حل افضل، ومن حسن الحظ ان هناك بديلا افضل بكثير.
أحسن الطرق التي يمكن لأميركا بها مساعدة تايوان وثني الصين عن استخدام القوة هي حث جميع الدول الصديقة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (لا تايوان فقط) على بناء قدراتها الدفاعية الخاصة. على تايبي ان تواصل تعزيز دفاعاتها من خلال ستراتيجية محكمة تجعل ثمن اية مغامرة من جانب الصين لفرض التوحيد بالاكراه باهظاً رادعاً بحيث يصد زعماء الحزب الشيوعي في بكين عن ركوب مجازفة تنطوي على احتمال الخسارة.
دانيال إل ديفز
عن موقع "ذي ناشنال إنتريست"