الحب الخلاق

اسرة ومجتمع 2020/09/05
...

ميادة سفر
 
يعمل البشر انطلاقاً من أمرين إما الحب أو الخوف، فالعبودية حركت الزراعة والصناعة، لكنها بقيت بعيدة عن الجمال والفنون حين اعتراها الرعب من الآخر، بينما العشق أنتج لنا أعجوبة تاج محل بما هو رمز للحب والوفاء.
كل الإنجازات البشرية ينتجها الإحساس، لذلك كانت الشعوب المتجبرة تستعمر تلك المستضعفة وتسخرها للعمل، إلا أنّ الذي يبقى محافظاً على جماله وروعته هو العمل الذي ولد من الحب.
 ملايين الناس من الذين يمتلكون الحرية يحبون أعمالهم، حتى لو كانت بسيطة ولا تدرُّ عليهم دخلاً كبيراً، لأنهم يجدون أنفسهم في تلك الأعمال التي يقومون بها بحب وبدون تسلط من أحد، ولهم كامل الحرية في إنجازها وبالصورة التي يرونها جميلة وتشي بأفكارهم ومشاعرهم؟
يرتبط الحب بالحرية برباط وثيق حتى لا يمكن فصل عراهما عن بعض، حين يكون الإنسان حراً في عمله وحياته وخياراته فكل ما يفعله يكون نابعاً من الحب، أما حين تفرض عليه شيئاً وإنْ أنجزه لن يكون بجمالية ذاك الذي يمنحه حيزاً من الحرية والاختيار.
هذا الأمر نراه في حياتنا اليومية وعلاقاتنا الاجتماعية والعمل وحتى الدراسة، الموظف الذي تضعه في مكان لا يمتّ إلى اختصاصه بصلة سيكون مجبراً ولن ينجز أو يقدم المطلوب منه بالشكل الصحيح، والطالب الذي يجبر على الدراسة في اختصاص معين لا بدّ سيفشل مستقبلاً، لأنهم لم يكونوا أحراراً في خياراتهم، ولم يحبوا النسق الذي وضعوا فيه.
يقودنا هذا الحديث إلى أسباب رقي ونجاح وتطور بعض الدول، وتخلف وركود دول أخرى، وحتى أفراداً نراهم ينجحون في بلاد بينما فشلوا في بلدانهم، ذلك لأنهم وضعوا حيث يرغبون ويحبون، فأنتجوا وأثمرت جهودهم، ففي الدول الغربية يتم اختبار توجه الطالب نحو اختصاص معين من سنواته الأولى في المدرسة، وحين وصوله إلى الجامعة يكون الطريق أمامه واضحاً، لذا سينجح ويتفوق، بينما في بلادنا ما زلنا نحدد الاختصاص الذي يحق له دخوله وفقاً لطرق وأساليب لم تعد تصلح لهذا الوقت، ومن ثم يعين في عمل بعيد كل البعد عن مجال دراسته، وهذا من أسباب تقدم الغرب وتخلفنا.
الحب خلاقٌ ومنتج لكل ما هو جميل، كل ما نقوم به بحب يبدو مبدعاً وخالداً ومستمراً، وهو ما يمكن أن نسقطه على أي تفصيل من تفاصيل حياتنا، بيمنا الإجبار والعبودية بأي معنى حملته تفضي إلى أشياء مشوهة وبائسة لا تلبث أن تتلاشى مع الوقت.
عند الحديث عن الديمقراطية يعني الحرية بالاختيار في السياسة كما في غيرها من مجالات، يعني إفساح المجال للعمل والعطاء في الحيز الذي نحب، والذي يعبرّ عن شخصية كل منا.
الحب هو البوصلة التي لا بدّ أنْ تحدد اتجاهات كل فرد، حيث يكون الحب يكون الفن والابداع، وتنتفي الجريمة والفوضى، بالتالي يعم الأمان والسلام.