ترجمة: انيس الصفار
اعتنقت كوريا الشمالية بفخر منذ عهد الزعيم “كيم جونغ إيل” عقيدة الاكتفاء الذاتي اقتصادياً. تغرس ايديولجيا “جوتشي”، التي تعتنقها “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية” في عقول موطنيها أنهم سادة قدرهم وانهم لا يمكن أن يخضعوا لأية قوة خارجية، بيد أن الخبراء تيقنوا منذ أمد بعيد من وجود حقيقة اخرى مختلفة كل الاختلاف، وهي إن كوريا الشمالية تعتمد بشدة على المساعدات الأجنبية والإعانات المالية التي تتلقاها من الدول المجاورة كي تتمكن من ادامة بقائها.
تسلط أغلب التحليلات الحديثة الضوء على علاقات “كيم جونغ أون” مع الصين، وهذا حق لا ريب فيه لأن المواد الغذائية وشحنات الطاقة الاتية من الصين لا غنى عنها لحفظ اقتصاد كوريا الشمالية من الغرق، إلا ان المساعدات الصينية رغم اهميتها ليست سوى جزء من شبكة تجارية أوسع تستعين بها كوريا الشمالية للالتفاف على العقوبات الدولية الموجهة اليها، إذ نجحت كوريا الشمالية أبان العقد الماضي في انشاء ورعاية علاقات اقتصادية مثمرة للغاية مع روسيا جارتها الشمالية وحليفتها القديمة من ايام الحرب الباردة.
من الناحية الفعلية عملت موسكو، بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وكذلك الصين على تعطيل جميع حزم العقوبات الدولية الكبرى التي تفرض على كوريا الشمالية، رغم كل ما يعلنه الكرملين من دعم للمساعي الدولية الهادفة الى تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، ولكن ازدواجية سجل روسيا في فرض العقوبات الاخيرة ترسم صورة اكثر غمة وابهاماً.
لقد تضمنت القرارات الثلاثة الأخيرة بحق كوريا الشمالية، وهي القرارات 2371 و2375 و2397، اجراءات أشد صرامة لمنع مواطني كوريا الشمالية من العمل في الخارج، لأن النظام سوف يصادر كل ما يكسبه هؤلاء او معظمه لإدامة وجوده. من المعتقد أن العمالة الخارجية تدر على حكومة كوريا الشمالية ما يصل الى 500 مليون دولار سنوياً، لكن موسكو تواصل المماطلة والتلكؤ في إعادة نحو 30 ألف مهاجر كوري شمالي كانوا قد شدوا الرحال شمالاً على مدى السنوات الاخيرة للبحث عن عمل في أقاصي شرق روسيا، تدعي وزارة الخارجية الروسية أن هؤلاء العمال قد أعيدوا الى موطنهم باستثناء 1000 منهم، بيد أن الخبراء يعتقدون ان موسكو تستغل ثغرة قانونية في تأشيرة الطلبة للسماح بدخول ألوف العمال
الجدد كل سنة.
كذلك تحتل موسكو موقعها كأحد اكبر مزودي كوريا الشمالية بالطاقة تحدياً للعقوبات العديدة التي تمنع تصدير الطاقة اليها، اذ تفيد بيانات الأمم المتحدة أن روسيا تشحن آلاف الاطنان من النفط على الأقل الى كوريا الشمالية كل عام، ومن الصعب وضع تقديرات دقيقة هنا نظراً للجهود التي بذلتها بيونغ يانغ والمصدرون الروس طيلة العقد الماضي في نسج شبكة تجارية سرية معقدة.
تقوم روسيا ايضاً بدور وسيط تجاري بين كوريا الشمالية وشركاء تجاريين آخرين، فقد استخدمت كوريا الشمالية مؤخراً، وفقاً لمصادر المخابرات الغربية، وبشكل متكرر ميناءي ناخودكا وخولمسك الروسيين في اقصى الشرق كمركزين رئيسين لشحن الفحم الى كوريا الجنوبية واليابان انتهاكاً لقواعد العقوبات.
العلاقات الاقتصادية الواسعة بين كوريا الشمالية والصين موثقة أحسن توثيق وهي تطرح للمناقشة بشكل متكرر، ولكن ثمة توجه للتقليل من أهمية الثغرة في العقوبات الدولية التي يستغلها النظام من جهة الشمال. اقل ما قد نكون تعلمناه هو ان خبرة العقد الماضي تثبت ان المشاركة الروسية النشطة مع حسن النية شرطان حاسمان لنجاح أي مسعى دولي منسق يحاول فرض التغيير على السلوك الكوري الشمالي.
مارك إيبسكوبوس/عن موقع «ذي ناشنال إنتريست»