نزار عبد الستار
يمتلك الإنسان المميز دفاعات عدة بشأن تعاملاته الاجتماعيَّة والإنسانيَّة مع المحيط وفي العادة يحتاج الجهد الفكري والمهاري الى أوقات مفتوحة تفوق ما درج عليه العامة في تعاملهم مع الزمن وفي تمشية امورهم الحياتية.
إنَّ الإنسان المميز هو ذلك الشخص المأسور بفكرة أو بأسلوب تفكير ويكون لزاماً عليه بحكم الشغف الداخلي إظهار مكنونات عبقريته والعمل على إعطاء البشرية خلاصة موهبته، ولأنَّ هذا الشخص شاء أم أبى يخضع لبرمجيات البيئة التي هو فيها وكذلك لمنطق عصره السائد فإنه يقوم بالاحتماء بذاته كي يستطيع العمل وتحقيق أهدافه.
كل عباقرة العالم هم من النوع الذي يهرب من المجتمع أو يصطدم به، وفي الحالتين هو دفاع عن النفس خارج سياق الحياة اليوميَّة. كثيرة هي الانطباعات التي تتولد عند الأشخاص الذين يتعاملون مع شخصيات انطوائية وغريبة الأطوار أو لا تكون متجاوبة مع سياقات الحياة، وبالتالي فإنَّ الأحكام الاجتماعية تكون قاسية على هؤلاء وفيها الكثير من التجني، بل إنها تولد تقاطعات تصل الى السخرية المؤلمة أو النبوذ المؤذي.
العباقرة شخصيات مميزة لا تملك الإرادة على مواصلة حياتها بالطرق التقليديَّة، كما أنها لا تكون قادرة على تحصيل ثقة الآخر ودعمه، وعندما لا توجد أي علامات ضامنة بشأن الموهبة فإنَّ قدراً كبيراً من الاستبداد والظلم يقع تجاه الشخص المميز.
إنَّ الاحتماء بالذات من المجتمع وسيلة اتبعت منذ بدايات الخليقة ولكنها اختلفت عبر الزمن وتحديداً في الوقت الحاضر، فمع المزيد من التفهم ومع انتشار ثقافة التعامل الحذر من الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة برزت سبل جديدة للتعامل مع الأشخاص الذين يتمتعون بموهبة فائقة وأخذت المؤسسات الاجتماعية وكذلك الدول تتعامل بحنكة مع كل ما يمكن أنْ ينتج لاحقاً شيئاً مميزاً سواء في العلوم أو الآداب أو الرياضة.
إنَّ من أكثر الخسارات فداحة في مجتمعاتنا العربية هي الاستهانة بالموهبة وقمع الإرادة الشخصية وتعليم الأجيال المضي مع القطيع في رحلة البحث عن العشب من دون أي تمييز بين العقول. إنَّ الهدر الذي يمارس ضد الموهبة هو قتل متعمد، فكل عباقرتنا عندما تعجزهم الحيلة يتحولون الى مجانين أو شخصيات مضحكة على أكثر تقدير.