استفتاء الدموع!  

الرياضة 2020/09/13
...

علي رياح  

قال لي نجم الجوية الكبير حنون مشكور عند مدخل سرادق العزاء : إنها دموعي من تتكلم وليس لساني .. والله أنا لا أبكي ، فالدموع تنهمر بدل كلماتي!  أظن أن هذا أوجز وأصدق وأبلغ وأفصح العبارات التي سمعتها يوم أمس الأول حين اجتمعت القلوب في نادي القوة الجوية ، وكانت تتبادل التعازي وترفع سقف المواساة ، وتقول لبعضها : عظـّم الله أجرك ، بينما كنت أقرأ المشهد بوجداني الكامن لا بوعيي الظاهر ، فأقول لنخبة من نجوم الجوية الكبار وهم يتحلـّـقون حولي : هذا هو الاستفتاء الذي يستحقه ناظم شاكر .. إنه استفتاء الدموع!  لقد رأيت في مراسم العزاء وجوها افتقدتها طويلا ، انقطعت بها السبل مع الرياضة ، أو تقطعت العلاقة بينها وبين الملاعب .. رأيتها تتشح بالسواد رداءً ومشاعر .. رأيت خصوما يتوزعون - في العادة - على خنادق متقابلة ، ويظهرون على الشاشات في مواقف متضادة .. رأيت ابن الزوراء والطلبة والشرطة والنفط وهو يقتسم مع ابن الجوية حزنا عميما أصاب الأنفس بضيق لم نتحرر منه إلا حين اجتمعنا على شعور واحد : أن روح غزالنا الأسمر تستقر راضية مرضية على هذا الوفاق الذي حققته في يوم الوداع!  
وناظم شاكر ليس ابن الجوية وحده ، وإن كان ناظم اللاعب صقرا في القلب والقالب حتى يوم اعتزال اللعب .. فإذا أجريت حسابا لمشاويره كمدرب ، ستجد أن كثيرا من الأندية العراقية تشارك الصقور نصيبا فيه .. اتحدث عن أندية أربيل ودهوك والكرخ والشرطة والنفط والمصافي وغيرها ..  كان ناظم رسول محبة بين الجميع .. لا اعتقد – وقد ذهب الرجل إلى مثواه الأخير – أنه ترك جرحا في نفس لاعب أو مدرب أو إداري .. بالطبع كانت مهمة المدرب تستوجب المواجهة والنقد والتقويم وربما الصِـدام وصولا إلى نقطة الاختلاف!  هذا أمر لا شك ولا ريب فيه ، فالتدريب كما يقال واحد من فنون اكتساب العداوات ، لكن المدهش هنا أن ناظم كان يركن دوما إلى المربع الأول .. كان حريصا على (تصفير) أية أزمة تنشب بينه وبين لاعب أو مدرب أو إداري .. ذات يوم قريب وعند قلعة أربيل ، كنت برفقة نجم دولي كبير كانت له خصومة كروية وليست شخصية مع ناظم .. وحين التقينا نحن الاثنين أبا فهد عند المقهى الشعبي المواجه للقلعة ، كان السؤال الذي يدور في نفسي : ترى كيف سيكون اللقاء بين ناظم والنجم الكبير .. ولم يطل المقام بسؤالي هذا ، فقد كان السلام بالأحضان ، وكانت فرصة لأن أقول له .. لم أكن اتوقع اللقاء بهذه الحميمية ، وكان ردّه : ومتى كان الزعل ناشبا أو قائما بيننا .. كلنا راحلون يا صديقي!  لقد نسي ناظم شاكر أنه على حق في حالة خصومة أو هكذا تخيلناها ، وكان في سلوكه منذ عرفته قبل أربعين سنة يصب في هذا المجرى .. فهو لا يحمل ضغينة تجاه أحد .. لهذا يذهب ناظم شاكر وقد ضغط على الزر (ديليت) وترك لنا صفحة بيضاء ، لم نكتب عليها أمس الأول إلا (نحبك يا ناظم) .