المشاريع الصغيرة.. بوابات أمل للباحثين عن عمل

ريبورتاج 2020/09/15
...

  بغداد: فجر محمد
 
بين شهادة جامعية تنتظر أن يمسح الغبار عنها، وبين أفواه لا بد لها أن تطعم، يقضم الشاب العراقي اظافره بحيرة، ويقترب من أمنيات مؤجلة في كل دقيقة أملا بأن إحدى الوظائف ستكون من نصيبه، ولكن لا!، أجابه صوت المحسوبيَّة بأن لا مكان لك في ملاكات دوائر الدولة المترهلة بالموظفين، ولا منفذ لك غير الشارع، إذ كنت تريد العيش بكرامة وشرف..
لقد بان شغفه بعالم الالكترونيات والبرمجيات، والذي دفعه الى الالتحاق باحدى الجامعات المتخصصة بعلوم الحاسبات في البلاد، اذ ان ولع العشريني علي صالح بالالعاب الالكترونية جعله حريصاً على تطوير ذاته، بالاضافة الى دراسته الاكاديمية، وبعد تخرجه قام بفتح مشروع صغير لتطوير الالعاب
 الالكترونية.
 ويقول علي عن هذا الامر: "إنَّ برمجة الالعاب وتطويرها يتطلبان معرفة كبيرة بالرياضيات، لانها تتبع المعادلات المهمة لتنفيذها واخراجها، فضلا عن ضرورة اتقان البرمجة، فمهما كانت اللعبة بسيطة إلا أنها تفتح الأفق أمام الخيال وصولاً الى النجاح، لذلك قمت بفتح مشروعي الصغير هذا على امل تطويره مستقبلا، وكي لا أكون ضحية للبطالة وانتظار فرصة التعيين التي أصبحت أقرب الى المستحيل".
 
جدوى اقتصاديَّة
الأكاديمي والخبير الاقتصادي في الجامعة المستنصرية الدكتور فالح الزبيدي أشار الى أنه "مهما كانت المشاريع صغيرة أو متوسطة إلا أنها من الممكن أنْ تشغل عدداً لا بأس به من الأيدي العاملة، وتتبع معظم دول العالم المتقدمة هذا النهج اي دعم تلك المشاريع مع متابعتها من قبل المختصين، كي تحقق النتيجة المرجوة، مع ضرورة إطلاق القروض الميسرة أمام الشباب لاتاحة الفرصة لهم لتنفيذ مشاريعهم، فضلاً عن وضع الجدوى الاقتصادية قبل البدء بأي مشروع. 
وهذا موجود بالفعل في الجامعات العراقية ومنها كليات الادارة والاقتصاد، حيث يفتح الاساتذة والخبراء ابوابهم امام الطلبة كي يساعدوهم في وضع الخطة والجدوى الاقتصادية من مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة".
 
مبادرات
أطلقت الجهات الحكومية في وقت سابق مبادرات متعددة لغرض دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولتشجيع الشباب على اخذ الدور الريادي في المجتمع وحثهم على التفكير بمشاريع تعرف بـ(خارج الصندوق).
حيث وفرت مليارات الدنانير لغرض دعم هذه المشاريع ومنها مبادرة البنك المركزي العراقي. وفي تصريح سابق لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية خصت به "الصباح" اعلنت عن اطلاقها مايقارب خمسة آلاف قرض لدعم المشاريع الصغيرة الخاصة بالباحثين عن عمل، وذلك رغبة منها في النهوض بالواقع الاجتماعي للشباب ومساعدتهم في تنفيذ مشاريعهم
الخاصة.
 
تدريب وتأهيل
هناك تجارب متعددة منها عالمية وعربية، اذ تقوم الجهات المختصة بتدريب الباحثين عن عمل وفق آليات وشروط معينة، منها أن يكونوا مسجلين ضمن قاعدة البيانات الوطنية الخاصة بالعاطلين عن العمل. 
وفي الوقت نفسه يؤكد خبراء الاقتصاد والموارد البشرية ضرورة تدريب الراغبين بالقيام بالمشاريع الصغيرة او المتوسطة، وحثهم على تطوير الذات والاطلاع على كل ماهو متقدم ومتطور في المجالات التي يرغبون بالعمل بها كي يحققوا النجاح والغاية المنشودة.
 
مواهب
ارتأى العشريني مناف وليد ألا يستسلم للبطالة مع غياب فرصة عمل تتناسب مع شهادته الجامعية، لذلك قرر فتح مشروع صغير خاص به وهو مطعمه الجوال في احد شوارع العاصمة بغداد وبينما هو واقف يحضر وجبات سريعة يقول:"لا يكاد يخلو اي شارع في البلد اليوم من عربات الطعام المتنقلة او ماتعرف بالاكشاك والمطاعم الجوالة، فهي احد المشاريع الصغيرة التي يلجأ اليها الشباب بعد عجزهم عن الحصول على وظيفة مناسبة تتلاءم مع تخصصهم الاكاديمي، فانا على سبيل المثال انتظرت عدة اعوام بعد التخرج على أمل أنْ أحصل على وظيفة في القطاعين العام و الخاص وبحثت
كثيراً. 
وحاولت التواصل مع جهات مختلفة ولكن دون جدوى، ولم احصل سوى على وعود ذهبت مع مهب الريح، لذلك قررت أن انمي شغفي بالطبخ واستفيد من هذه الموهبة، بالتعاون مع اصدقائي الذين تخرجوا معي في الدفعة نفسها، وبالفعل بدأنا بهذا المشروع وتفاجأنا بالدعم الذي حصلنا عليه من اشخاص كثيرين، بهدف انجاح تجربتنا الصغيرة هذه وتطويرها، اسوة بالكثير من دول العالم التي نجحت فيها مثل هذه الافكار وتطورت بشكل لافت للنظر، بل قد اصبحت احدى وسائل التقليل من شبح البطالة الذي يطارد الكثيرين"، وينصح مناف اقرانه باخذ المبادرات الشخصية وفتح المشاريع الخاصة بهم حتى لو كانت صغيرة وبذل الجهود من اجل نجاحها وتطويرها مستقبلا، وعدم تضييع سنوات من العمر بانتظار الوظيفة
الحكوميَّة.
 
مكاتب استشاريَّة
الدكتور فالح الزبيدي بين أنَّ المشاريع الخاصة بإنتاج المواد الغذائية كالأطعمة والألبان، تلقى رواجاً كبيراً اليوم في ظل رغبة الأفراد بتجربة مختلف الأطباق وأصناف الطعام، فضلاً عن العمل بصناعة الأقمشة والألبسة وغيرها من الافكار التي من الممكن أن تحقق نجاحا كبيرا، ولكن كل تلك الرؤى بحاجة الى بلورة حقيقية، وتفعيل مايعرف بالمكاتب الاستشارية على غرار الاستشارات القانونية، حيث تقدم تلك المكاتب النصح والمعرفة من خلال خبرة العاملين
فيها. 
والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، التي تعطي الفرصة لهكذا مكاتب باعطاء الافكار والاقتراحات للمشاريع الممكن تنفيذها والاستفادة منها للباحثين عن عمل، لاسيما الخريجون.
 
البيوت الانتاجيَّة
لفت الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي الى أن المشاريع العظيمة الناجحة في العالم بدأت صغيرة او متوسطة، ثم نمت لاحقا وتوسعت، ولكنها حققت النجاح بفضل ريادتها وتقديمها للافكار الجديدة، فعلى سبيل المثال هناك صناعة الزجاجيات التي كانت تلقى رواجا في السابق من الممكن اعادتها وتطويرها اليوم بشكل يناسب التطور والحداثة اللذين دخلا هذه الصناعة. 
ويذكر ان هناك مايعرف بالبيوت الانتاجية وهي تجربة موجودة في الصين و كوريا وتايلند، حيث يقوم الافراد بصناعة الاجهزة اللوحية الذكية المعروفة باسم "التاب"، فضلا عن دول اخرى تمتهن صناعة السجاد وتبرع فيها بشكل كبير، واخرى تهتم بالحياكة، حيث توجد مكائن وآلات الحياكة داخل المنازل ويعمل عليها الافراد، لاسيما الفتيات، وبالتالي تشغل ايدي عاملة وتبعد البطالة عنهم.
 
مراقبة ومتابعة
أوضح الدكتور فالح الزبيدي أنَّ إطلاق القروض للمشاريع الصغيرة أو المتوسطة، لا بدَّ أنْ تصحبه مراقبة ومتابعة، فكم من مصرف أطلق قروضاً متعددة ولكنها لم تحقق الغاية المنشودة، إذ لم تجر متابعتها بشكل صحيح، ولم تنفذ كما كان مدرجاً في الدراسات التي قدمت من قبل اصحابها، لذلك من المهم مراقبة طرق تنفيذ تلك القروض من اجل النهوض بالواقع الاقتصادي، الذي اصبح ريعيا، ووحيد
الجانب.
 ويعتمد على النفط الذي اخذت اسعاره بالهبوط تزامنا مع اي ازمة عالمية، فضلا عن ضرورة إعادة تشغيل العديد من المصانع والمعامل التي توقفت بشكل كلي عن العمل، ما جعل العراق من الدول المستهلكة بعد أنْ كان في مصاف المنتجة.