هل سيرحل ميناء بيروت الى مكان آخر؟

بانوراما 2020/09/15
...

 سارة فريغونيس *
 ترجمة: مي اسماعيل
عانى مركز مدينة بيروت دمارا عقب انفجار دمر الميناء وأحدث أضرارا جسيمة بالعاصمة اللبنانية، وخلّف وفيات كثيرة. أُعلن أن قوة الانفجار (الذي وقع في وقت مبكر من أمسية الرابع من شهر آب الماضي) 
كانت توازي زلزالا بشدة ثلاث درجات ونصف الدرجة، تسبب به انفجار نحو 2750 طن من مادة نترات الأمونيوم كانت في احدى مستودعات الميناء. 
في حين أن الاقتصاد والبنية التحتية والخدمات الأساسية في لبنان ما بعد الحرب الأهلية قد ركعت بالفعل بسبب أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مضافا اليها احتجاج عام واسع النطاق حول اعتقاد بفساد الحكومة ثم وباء (COVID-19 ) مؤخرًا؛ فقد أصبح الآن جانبا آخر من البنية التحتية الوطنية الأساسية للبنان في حالة خراب. يتعامل ميناء بيروت مع نحو ستين بالمئة من واردات لبنان، إضافة إلى تخزين احتياطياته الغذائية والطبية.يعود تاريخ وجود ميناء في بيروت حتى القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ وفي القرن العشرين أصبحت المدينة ميناءً بحريا رئيسا يخدم تجارة النفط وحركة الركاب والبضائع ذات الصلة في بلاد الشام والخليج. ولعب المرفأ دوراً رئيساً في تاريخ بيروت وهو يقع بمركز المدينة؛ محاطا ببعض أهم أحيائها. 
 
«الخط الأخضر»
عانت لبنان، للفترة من سنة 1975 - 1990؛ من حرب أهلية شرسة وطويلة الأمد؛ واحتلت بيروت مكانا أصبحت فيه التوترات الطائفية والجغرافيا السياسية الإقليمية جزءًا من الفضاء الحضري. نتج عن ذلك تقسيمات عميقة وتغيرات بجغرافية المدينة. وفي شهر أيلول سنة 1975، بعد أشهر قليلة من بدء الحرب الأهلية؛ أصبح مركز بيروت مسرحا أساسيا لقتال الميليشيات. جرى تقسيم المدينة خلال الحرب بما يسمى «الخط الأخضر»؛ الذي قطّع بيروت الى قطاعين: شرقي وغربي. فحدثت اعادة توزيع ديموغرافية؛ إذ انتقل أناس من جانب الى الآخر على أسس سياسية وطائفية، واستقر المسيحيون غالبا في القطاع الشرقي والمسلمون غرب الخط. زحف «الخط الأخضر» تدريجيا من الضواحي الجنوبية الى بوابة الميناء الغربية، وفي سنة 1981 نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن الميناء كان واحدا من الأماكن النادرة في المدينة التي يمكن ضمنها عبور الخط الأخضر. 
توسع ميناء بيروت في حقبة ما بعد الحرب، ليصير منفذا بحريا ومحورا إقليميا رئيسا، وقد دعي مؤخرا لتقديم عطاءات الى مناقصة دولية لإدارة محطة حاويات (الى الشرق من موقع الانفجار)، وشهد زيادة كبيرة في سعة استيعاب السفن. 
 
التنمية والاحتجاج
يقع ميناء بيروت (بشكل حاسم) بالقرب من أغلى عقارات المدينة: منطقة وسط بيروت. في أوائل الثمانينات جرى تحديد هذه المنطقة لإعادة التطوير؛ وعند نهاية الحرب الأهلية كانت هدفا لاحدى أكبر عمليات الاستثمار في تاريخ لبنان. اعتُبِرت عمليات اعادة التطوير هنا مثيرة للجدل؛ بسبب المخاوف حول نقص الاستدامة واللا مساواة مع باقي أجزاء المدينة، وارتفاع اسعار العقارات وغياب الفضاءات العامة وارتفاع اجور الخدمات. أصبحت تلك المنطقة خلال سنوات 2015 -2019 مرتكزا للاحتجاجات العامة المناهضة للحكومة، وقد احتل المحتجون (حتى قاطعتهم جائحة وباء كورونا) عدة مبانٍ وساحات بمركز المدينة. تظاهر المحتجون ضد فساد الحكومة وعدة قضايا أخرى؛ كان منها- الحق في الوصول إلى الخدمات والموارد العامة. كذلك دعوا للمساءلة الحكومية وسط تداعي البنية التحتية والخدمات وفقدان الأماكن العامة والتدهور البيئي.
يجاور ميناء بيروت ايضا مناطق سكنية مكتظة؛ مثل- الجميزة والجعيتاوي، والأسواق الحضرية الراقية في سرسق والتباريس؛ التي لا يفصلها عن بعضها سوى الشوارع. والى الشرق بجوار الميناء مباشرة توجد محال مار ميخائيل والكرنتينة؛ وهذه الاخيرة هي محطة العزل العثمانية التي كانت نقطة دخول الموجات المتعاقبة من اللاجئين الى المدينة تمهيدا لاستقرارهم؛ وبضمنهم القادمون من أرمينيا في العشرينات والفلسطينيين في الأربعينيات.
 
حركة بطيئة للمدينة
يضم هذا التجمع من المحال العديد من دوائر الخدمات الحكومية والخاصة في لبنان؛ بما فيها دائرة تجهيز الكهرباء (EDL) ومحطة للحافلات وثلاثة مستشفيات. شهدت أحياء الجميزة ومار ميخائيل على وجه الخصوص عملية تحديث في العقد الماضي؛ مما أثار احتجاجات السكان ضد هدم المباني التراثية والتلوث الضوضائي وارتفاع أسعار العقارات. تمثل الاحياء الشعبية حول الميناء ومركز المدينة المُعاد تحديثه جانبين لمسيرة اعادة اعمار بيروت ما بعد الحرب؛ إذ تم التجديد من أعلى إلى أسفل مع خطة رئيسة متكاملة في منطقة بيروت المركزية، في حين تميز المسيرة البطيئة عملية تحسين الأحياء الأخرى. أفادت التقارير بأن العمليات ستنتقل من ميناء بيروت المدمر إلى ميناء بحري آخر في لبنان يتسع لتفريغ الحاويات، هو ميناء طرابلس، على بعد نحو ثمانين كيلومترا شمالا على طول الساحل. غير انه لم يتبين حتى الآن مقدار الخسارة في استثمارات ميناء بيروت وما حوله من أجزاء المدينة. 
 
عن موقع «ذا كونفرزيشن»
* سارة فريغونيس- محاضِرة الجغرافية السياسية بكلية علوم الجغرافيا والارض والبيئة/ جامعة برمنغهام