صفقات ترامب وسراب السلام

بانوراما 2020/09/20
...

 إيشان ثرور
 ترجمة: أنيس الصفار 
 يبدو الرئيس ترامب، ذلك القائد الذي امضى وقتاً طويلا في زرع الذعر داخل الولايات المتحدة، شديد الحرص هذه الايام على اصلاح سياجه الخارجي. ففي الاسبوع الماضي شهد البيت الابيض موجة محمومة من مبادرات صنع السلام اختير لها توقيت مريب يتزامن مع انغماس ترامب في حملة إعادة انتخابه واشتداد حاجته الى ادلة تشهد على نجاحه كرجل دولة.
حدد يوم الثلاثاء الماضي لاستضافة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ومسؤولين من دولتي الامارات العربية والبحرين لحفل توقيع بعد إعلان العاهلين العربيين عن قرارهما بتطبيع العلاقات مع اسرائيل، جاء هذا في اعقاب مؤتمر قمة عقد في البيت الابيض خلال الاسبوع الماضي اجتمع ترامب خلاله بزعيمي دولتي كوسوفو وصربيا في مكتبه البيضاوي، ثم تلا ذلك الإعلان عما يفترض ان يكون فتحاً اقتصادياً كبيراً بين الجارين البلقانيين.
وصف ترامب ومساعداه كل من المناسبتين بأنها «إنجاز تاريخي» لم يكن بالوسع تصوره في ظل اية ادارة أخرى. تعزيزاً لهذه الصورة رشح سياسيان اسكندنافيان من جناح اليمين ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، كما اعلنت خبيرة الاعلام اليمينية البارزة «لورا إنغراهام» أن فوز ترامب بالجائزة أمر جلي لا خلاف فيه، ولو إنه على الأرجح لن ينالها.
كذلك لم يوفق ترامب في تسجيل نسمة انتصار في افغانستان، التي بدأت حكومتها مؤخراً باجراء مفاوضات مع ممثلين عن طالبان بعد اشهر من الجهد الدبلوماسي الأميركي المضني. بيد ان آمال التوصل الى اتفاقية نهائية هناك تبددت في الهواء وسيبقى ارث ترامب الأبرز في افغانستان قبل حلول انتخابات شهر تشرين الثاني هو قرار إدارته بتكثيف عمليات القصف في تلك البلاد.
الصفقتان الكبيرتان اللتان صدحت بها ابواق البيت الأبيض هذا الشهر، لا يمكن اعتبارهما انتصارات للسلام كما يزعم ترامب. لنأخذ الحدث الاساس لهذا الاسبوع وسوف نجد أن كلتا الدولتين، الامارات العربية والبحرين، كانتا دائبتين على التواصل والتعامل مع اسرائيل منذ فترة، كما أن هذه الدول الثلاث لم تكن مشتبكة مع بعضها بأية صورة من صور الصراع ولو من بعيد. يقول كريم سجادبور، وهو محلل في شؤون الشرق الأوسط من معهد كارنيغي للسلام الدولي: «العلاقة الستراتيجية بين الامارات العربية واسرائيل تستمد زخمها من خوفهما المشترك من إيران، وكل ما فعلته الولايات المتحدة هو انها أعطت تلك العلاقة شكلاً. 
لقد كان الأمر أشبه بوضع ترامب اسمه على فندق قائم أصلاً من قبل مجيئه».
يرى أنصار التطبيع في علاقات اسرائيل المتنامية، التي أخذت تمد جذورها عمقاً في العالم العربي، تطوراً ايجابياً في المنطقة، ولكن ليس هنالك مؤشر حقيقي يستدل منه عن شكل «السلام» الذي سيجنيه الفلسطينيون الغاضبون الرازحون تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي من استقبال بضع دول خليجية سفراء اسرائيليين والتقدم بطلبات جديدة للحصول على معدات عسكرية اميركية.
تشير «غريس ويرمنبول» من معهد الشرق الأوسط قائلة: «من الصعب تحديد ولو نقطة تقدم واحدة على مسار السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين تحققت كثمرة للتدخل الأميركي. إن سياسة ترامب المتمادية في الانحياز لاسرائيل، قد نفّرت السلطة الفلسطينية وأعاقت قدرة الولايات المتحدة على لعب دور الوسيط المحايد. تطبيع الامارات العربية علاقاتها مع اسرائيل دون إعادة تقييم دبلوماسي واضح للقضية الفلسطينية، لن يتوقع منه أن يقدم اكثر من هذه الحدود».
ثمة خبراء آخرون عبروا عن حزنهم لعدم استخدام ادارة ترامب وسائل ضغطها على الإمارات العربية من اجل التوصل الى سلام حقيقي، والمقصود بهذا هو الضغط على الإماراتيين والسعوديين لإجبارهم على خفض جهودهم في حرب اليمن التي تدعمها الولايات المتحدة، يشير تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز الى القلق المتصاعد بين مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية بشأن التورط الأميركي، في ما يحدث من اصابات بين المدنيين اليمنيين على يد التحالف الذي تقوده السعودية. العنف الذي يجري هناك، ودور أميركا في التمكين من وقوعه، سيكون فقرة ضمن لائحة جلسة الكونغرس التي ستعقد يوم الاربعاء.
كتب الدبلوماسيان الأميركيان السابقان «آرون ديفد ميلر» و»ريتشارد سوكولسكي» ما يلي: «طالما بقيت الولايات المتحدة تبيع الأسلحة المتطورة الى الامارات العربية فليس ثمة ما يدعوها الى التردد في ممارسة اقصى درجات الضغط على الامارات لجعلها تكف عن انتهاك حقوق الانسان 
ودفعها باتجاه انهاء الصراع في اليمن والتراجع عن سياسة لي الأذرع مع قطر والضغط على السعوديين، كي يبدؤوا حواراً مع إيران قد يؤدي بمرور الزمن الى تخفيف حدة المواجهة السعودية الإيرانية التي تزعزع استقرار المنطقة وأمنها».
يشعر الخبراء ايضاً بالتشكك ازاء التوافق الصربي الكوسوفي، فقد وقعت صربيا وكوسوفو (التي لا تعترف صربيا باستقلالها رسمياً) اتفاقيات في ما مضى ولكنها ذبلت قبل ان يثمر منها شيء. أما هذه الجولة التي توسط فيها مبعوث ترامب «ريتشارد غرينيل»، السفير السابق المثير للجدل في المانيا، فقد اعادت صياغة بعض صفقات البنى التحتية التي كانت قيد العمل منذ مدة دون ان تحدث اثراً في اي من مجالات التصالح السياسي الحقيقي. من اجل بلوغ ذلك تطلب الأمر مساعدة من غرينيل لتنظيم ايقاع انهيار حكومة اصلاحية في كوسوفو، الأمر الذي ادى الى حدوث انقسام بين المسؤولين في بروكسل وواشنطن حول كيفية التقدم من تلك النقطة الى الأمام.
كتبت «ماجدة روغو»، وهي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تقول إن كوسوفو وصربيا لم تتمكنا من إصدار بيان مشترك، لذلك غادر كل من الطرفين الاجتماع حاملاً معه رواية يطرحها للاستهلاك المحلي، تمضي روغو قائلة: «ادعى البيت الأبيض تحقيق انتصار تمثل في دفع عملية السلام قدماً في صراع طال أمده. صور الرئيس الصربي «الكساندر فوتشيتش» الحدث بأنه لقاء ثنائي أرادت واشنطن من خلاله تحسين العلاقات الثنائية. أما كوسوفو فقد أبرزت الأمر وكأنه فوز لها إذ حظيت بالاعتراف من اسرائيل».
ترامب من ناحيته اضاف الاجتماع الى حملة إدارته في تعزيز صورة اسرائيل على المسرح الدولي، لذا زف بشرى اقامة كوسوفو واسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية بينهما ومضى معلناً ان صربيا سوف تنقل سفارتها الى القدس، وسط دهشة بدت واضحة على فوتشيتش الذي كان جالساً بجوار ترامب في المكتب البيضاوي. في وقت لاحق صرح الرئيس الصربي ان بلغراد لن تنقل سفارتها الى القدس إذا ما افتتحت كوسوفو سفارة لها هناك. على موقع تويتر احتفى ترامب بالاتفاق ووصفه بأنه يوم عظيم «للسلام في الشرق الأوسط» لأن كوسوفو ذات الأغلبية المسلمة قد أقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع اسرائيل. لم يفعل هذا الاعلان سوى اثارة غضب المعارضة في كوسوفو، التي رأت في تلك التعليقات إهانة لشخصية كوسوفو الأوروبية العلمانية.
كتب «دانيال لاريسون» من مجلة «ذي أميركان كونزيرفاتف» يقول: «السرعة التي تم بها الكشف عن الاتفاقية في غضون أيام تعبر عن الطبيعة المتعجلة المفتقرة الى الحنكة التي اتسمت بها مفاوضات ادارة ترامب. هؤلاء ليسوا قادرين على حل أي من المشكلات الاساسية، لذلك يمدون ايديهم الى الثمار المتدلية سهلة المنال، وحتى في هذه لا يظهرون قدرة على الإلمام بالتفاصيل. انهم يرفضون القيام بالعمل التمهيدي المطلوب، الذي يضمن ان اي اتفاق يتم الاعلان عنه سوف يطبق بالفعل، والسبب في ذلك هو ان كل ما يبتغيه الرئيس هو الدعاية الطنانة دون اي اكتراث لحقيقة المحتوى».
 
عن صحيفة واشنطن بوست