كايلي ماكناني تجاوزت خطاً ممنوعاً

بانوراما 2020/09/20
...

  جو لوكهارت * 
  ترجمة: مي اسماعيل
يمر كل من يعمل بوظيفة سكرتير صحفي للبيت الابيض بلحظة مواجهة للحقيقة أثناء تأدية عمله؛ فعلى سبيل المثال استقال «جيرالد تيرهورست» بعد شهر واحد فقط من بدء عمله لأنه لم يستطع التعايش مع قرار الرئيس الأسبق جيرالد فورد باصدار عفو عن سلفه ريتشارد نيكسون.
لا يسهل دائما في تلك الوظيفة الوصول لقرار مباشر باختيار وقت اتخاذ موقف ما، ولا ما يجب الكشف عنه للجمهور؛ فهناك (على سبيل المثال) اوقات يعرض خلالها اعلان تفاصيل العمليات العسكرية حياة الكثيرين للخطر. وهنا يبرز سؤال: أيهما أهم: إعلان الحقيقة أم حماية الأرواح؟ واجه «جودي باول» هذا القرار تحت رئاسة جيمي كارتر، وقرر أن حماية الارواح تتغلب على اعلان الحقيقة للصحافة، أثناء أزمة الرهائن في ايران. 
 
يقول كاتب المقال: «واجهت ذلك الاختبار في وقت مبكر من عملي سكرتيرا صحفيا، فعندما بدأ مجلس النواب جلسات الاستماع لعزل الرئيس بيل كلينتون استنادا الى تقرير «ستار» (= تقرير المستشار المستقل للحكومة الفيدرالية الاميركية «كين ستار» عن تحقيقه مع الرئيس بيل كلينتون. المترجمة)؛ أصبحتُ أواجه قرارا يوميا عن كيفية إجابتي للاسئلة عن تصرفات الرئيس. ولعدم معرفتي بالمدى الكامل للاحداث؛ اخترتُ عدم مناقشة التفاصيل الواردة في التقرير من على منصة المواجهة الصحفية؛ رغم أن ذلك كان يبدو للكثيرين نوعا من توكيد الادعاءات». 
 
زيف أم حقيقة؟
واجهت السكرتيرة الصحفية الحالية للبيت الأبيض «كايلي ماكناني» مؤخرا لحظة الاختيار داخل قاعة المؤتمرات الصحفية؛ حينما واجهها الصحفيون بتسجيلات نشرها الصحفي المخضرم «بوب وودوارد»، اعترف فيها الرئيس ترامب مطلع شهر شباط الماضي أن كورونا فيروس ينتقل عبر الهواء وأكثر خطورة من الانفلونزا؛ رغم انه رفض تلك المخاوف عن الفيروس علانية، ووصفها بأنها «خدعة الديمقراطيين الجديدة». وفي شهر آذار؛ قال ترامب لوودوارد إنه قلل من مخاطر الفيروس متعمدا، قائلا: «أردتُ دائما التقليل من شأنه؛ وما زلت أرغب بالتقليل من شأنه؛ لأنني لا أريد خلق حالة من الهلع». 
فشلت ماكناني على نحو عاصف في استجابتها؛ إذ لم تُقدّم سياقا لعبارات ترامب. وبدلا من ذلك أيدت الكذبات التي اعترف حتى ترامب ذاته بها لوودوارد. كما انها حاولت تمرير ملاحظات ترامب على أنها بادرة لحسن القيادة؛ قائلة: «إذا لقد قام هذا الرئيس بما يقوم به جميع القادة.. البقاء هادئين وحازمين في وقت يواجهون فيه تحديا لا يمكن التغلب عليه». لكن القيادة الحقيقية هي اعلان الحقيقة وتحمل مسؤوليتها؛ وعندها فقط يمكن للشعب الأميركي أن يثق بأن الرئيس يعتني بمصالحهم؛ وليس مصالحه هو وحده. وحينما سئلت ماكناني بصورة مباشرة ما اذا كان الرئيس قد كذب على الشعب الأميركي؛ كان لديها قدر من البراعة لأن ترد بالقول: «الرئيس لم يكذب قط على الشعب الأميركي بشأن كوفيد 19». 
يرى كاتب المقال أن ذلك قول زائف بوضوح؛ إذ كان الرئيس قد كذب على الشعب الاميركي مرارا بشأن كورونا ومعالجة الحكومة لانتشار الوباء، وهو الآن يكذب حول الكذب! وبادعائها عدم كذب الرئيس نكثت ماكناني بالوعد الذي قطعته منذ يوم عملها الأول كناطقة صحفية؛ حينما قالت إنها لن تكذب على الصحفيين أبدا. وبذا تكون قد دمرت مصداقيتها الشخصية وأضرت بشكل قاتل بقدرتها على التحدث باسم الرئيس؛ والأهم من ذلك، الحديث باسم الولايات المتحدة الاميركية. ونظرا لتاريخها المهني هذا؛ لا يمكن للحلفاء الاجانب الاعتماد على ما تقوله من على منصة البيت الابيض الصحفية؛ وهذا يشكل خطرا أمنيا قوميا للولايات المتحدة. 
بين مطرقة وسندان
للأمانة؛ (يجب القول) إن ماكناني وقعت بين مطرقة وسندان؛ لكن الناطق الصحفي يعمل لصالح الرئيس والشعب الأميركي معا؛ ويشكل حلقة حيوية بين الاثنين. وكان يجب أن يكون الرد المناسب الوحيد في هذه الحالة القول: «ان كلمات الرئيس تتحدث عن نفسها؛ ولن أقوم بتحليلها أو تفسيرها لكم». تلك هي إحدى طرق الحفاظ على المصداقية، وفي ذات الوقت إرسال اشارة واضحة بأن الرئيس لا يقول الحقيقة. لكن ماكناني أظهرت أنها أكثر اهتماما بالدفاع عن الرئيس منها باطلاع الشعب على الوقائع، وأن ملاذها الوحيد الآن هو الاستقالة. وهنا بات للجمهور الحق بالتساؤل عما إذا كان الرئيس صادقا وجديرا بالثقة. وفي حين أن الناطق الصحفي ليس مسؤولا منتخبا؛ يجب أن يكون كل من يقوم بالدور حريصا على حماية مصداقيته؛ فدون تلك المصداقية لا يعود الناطق الصحفي أكثر من مسؤول دعاية بدلا من موظف حكومي. بقولها إن الرئيس لم يكذب أبدا على الشعب الأميركي وصلت فترة تنفيذ ماكناني للوظيفة (ناطقة صحفية) الى نهايتها.. وتأكد دورها كمسؤولة دعاية للدولة.. 
 
 * جو لوكهارت محلل سياسي بموقع «سي أن أن»؛ عمل سكرتيرا صحفيا للبيت الابيض خلال سنوات 1998 - 2000، خلال ادارة الرئيس الأسبق بيل كلنتون.