الجينز الممزق.. أبعاد و«نفسيات»

اسرة ومجتمع 2020/09/20
...

 قاسم موزان 
فأجاني شاب في مقتبل العمر  يبدو على ملامحه التوتر والحنق بمعرض دفاعه عن ارتدائه بنطلون جينز ممزقا، حين قال إنها صرخة احتجاج بوجه رثاثة العالم المتسلط الذي يسعى الى اذلال الشعوب الفقيرة بمعنى نحن نشاركهم محنتهم الانسانية، وانها عودة الى البدائية الاولية، بعيدا عن تعقيدات الواقع الملتبس بتفاصيل مملة ومكررة، شاب اخر قال إنها مجرد تقليعة ستزول حتما بظهور تقليعات اخرى كما تلاشت تقليعات في السنين السابقة ايضا لاقت انتقادات واسعة من الجمهور، مضيفا ان  دور الازياء في حركة مستمرة لتحديث موديلاتها وانتاج اخرى ربما اشد من الحالي.
اشار د. سعد مطر عبود اختصاص في العلوم النفسية والتربوية  الى ان الملابس موضوع ثقافي وانثروبولوجي يكشف عن هوية المجتمع وثقافته، اما ارتداء الملابس الممزقة فلها أبعاد متعددة: التقليد المحاكاة للآخرين، خصوصا المجتمعات الغربية المتقدمة، التحرر من السلطات الاجتماعية والشعور بالاستقلالية الانطلاق من قاعدة خالف تعرف بسبب الهستيريا و ردود الأفعال المرضية التمرد على الواقع انطلاقا من فلسفة وجودية.
يرى د. عبدالواحد مشعل استاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بغداد  ان  الظاهرة غربية  انتشرت بين فئة الشباب منذ ثمانينات القرن الماضي، مقلدين بعض الفنانين والمشاهير، وهي لا تحمل في مضامينها قيما أصيلة في مجتمع من المجتمعات إنما قد تكون كرد فعل احتجاجي على تقاليد مقولبة طبقية متمثلة في ارتداء الملابس الرسمية والعناية بها،  حتى  كانت صحية الجينز والقميص الممزقين  تعبيرا عن إرادة حرة لدى كثير من الشباب في مجتمعات متحضرة وصلت في حضريتها الى درجة أن هناك من تمرد على أزيائها، ابتداء من عدم الاهتمام بالمظهر مقابل العمل  ولم يعد الملبس جزءا من شخصية الفرد بعد الإشباع الحضاري، وقد كانت لارتداء الفنانين لهذه الأزياء دعوة صريحة للتقليد، أما في مجتمعاتنا العربية ومنها مجتمعنا العراقي لم تأت كرد فعل للإشباع الحضاري إنما شبابنا يقلدون ذلك تقليدا اعمى، دون النظر الى مضامينها أو شكلها، حتى أصبحت الظاهرة شيئا عاديا لدى الشباب بعدما كان الملبس النظيف والكامل يحسب له حساب، إذن هي موضة ليست أصيلة في مجتمعنا، إنما هي جاءت عن طريق تقليد ما يجري في المجتمعات المتقدمة، وقد ساعدت وسائل الاتصال الحديث أو ما يعرف  بالإعلام الجديد على انتشارها.
وقال الكاتب علي سعدون يميل بعض الشباب الى ارتداء البنطلونات الممزقة او المفتوحة من مكان الركبة او الفخذ او الاطراف، امعانا منهم بالتماهي مع حالة من حالات التجديد في المظهر على اساس الملبس العملي (الكاجوال)، وهو تقليد قديم يعاد انتاجه والترويج له بين فترة واخرى. وهي حالة تؤشر الى قيمتين الاولى هي التقليد الغربي الذي ينشأ عادة لاسباب تجارية صرفة، والاخرى هي اعتماد المودرن الذي دأب عليه الشباب منذ الستينيات والسبعينيات والامر بمجمله يخضع في التداول الثقافي الى الحرية الشخصية، التي تجعل من علم الاجتماع غير قادر على كبح جماح التقليد للظواهر التي تقع خارج حدود الهويات المحلية.
  الشاب  حسين علي 30 عاما اوضح انه مع تغيير نمط الحياة بكل اشكالها للتخلص النمطية و الرتابة في كل شيء شريطة ان يكون التغيير بما لا يخدش الذوق العام وارتداء الملابس الممزقة لا ترتقي بشخصية الشاب بقدر ما تسيء اليها وتدل على عدم نضوج واضطراب  وان دفاعهم عن المظهر الحالي ( الممزق ) غير مبرر.