مراكز الحجر تضيق بالمهاجرين الأفارقة

بانوراما 2020/09/27
...

ويل براون

ترجمة: خالد قاسم
تحتجز المملكة العربية السعودية المئات إن لم يكن آلافا من المهاجرين الأفارقة تحت ظروف سيئة للغاية وهؤلاء من بقايا معسكرات العبيد الليبية كجزء من حملة لايقاف انتشار فيروس كورونا في البلاد.
فقد أظهرت صور تخطيطية ملتقطة بالهاتف النقال لمهاجرين محتجزين داخل مراكز الاحتجاز، ويبدو فيها العشرات من الرجال الهزيلين والعاجزين بسبب الحرارة وهم نصف عراة ضمن طوابير مكتظة في غرف صغيرة ذات نوافذ مزودة بقضبان.
تبين إحدى الصور التي حصلت عليها صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية جثة ملفوفة ببطانية وسط هؤلاء المهاجرين، ويقولون إنها جثة مهاجر مات نتيجة لتعرضه الى نوبة قلبية، بينما يحصل آخرون على نزر يسير من الطعام والماء. وتظهر صورة أخرى شابا أفريقيا معلقا على نافذة جدار قرميدي داخلي، ويقول أصدقاء الضحية أنه قتل نفسه بعد فقدانه الأمل بالخروج، اذ يستمر احتجاز كثيرين منذ شهور.
تبدو علامات الضرب على ظهور بعض المهاجرين، ويقولون إنهم تعرضوا للضرب من الحراس الذين يرشقونهم باساءات عنصرية. وتسببت هذه الصور والشهادات باثارة غضب نشطاء حقوق الانسان وتلقت استجابة خاصة على ضوء احتجاجات تحت عنوان «حياة السود مهمة». 
استفادت السعودية من طاقة العمالة الأفريقية والآسيوية المهاجرة منذ سنوات طويلة، ففي حزيران 2019 بلغ عدد العمال المهاجرين أكثر من ستة ملايين ونصف مليون شخص، وهو رقم يمثل نحو 20 بالمئة من سكان المملكة، ويشغل معظمهم وظائف قليلة الأجر وشاقة جسديا، ويعمل المهاجرون أساسا في البناء وخدمة المنازل والتي لا يفضل المواطنون السعوديون تأديتها بأنفسهم. ويأتي كثيرون من دول جنوب آسيا، لكن جزءا كبيرا ممن قدموا من منطقة القرن الأفريقي عبر البحر الأحمر.
تأوي مراكز الاحتجاز المذكورة رجالا إثيوبيين على وجه الخصوص، ويقال إن آخرين يحتجزون مع النساء. وكان عشرات الآلاف من الشباب الإثيوبيين قد شقّوا طريقهم الى دول الخليج طيلة العقد الماضي، بمساعدة وكلاء توظيف سعوديين ومهربين ضمن محاولتهم للتخلص من الفقر الذي تعانيه بلادهم.
 
الفيروس أصل المشكلة
وقع هؤلاء في ورطة الحجر نتيجة للوباء اضافة الى برنامج «سعودة» القوى العاملة، وهي سياسة قدمها ولي العهد محمد بن سلمان لغرض الاستفادة من الطاقة الوطنية البشرية للبلاد. وعندما بدأ الوباء في آذار خشيت الحكومة من أن المهاجرين الذين يسكنون في أماكن مكتظة للغاية، قد يتحولون الى ناقلين للفيروس. وتعرض نحو ثلاثة آلاف مهاجر إثيوبي للتهجير من قبل قوات الأمن السعودية عائدين الى بلادهم قبل بضعة شهور وتذكر مذكرة مسربة للأمم المتحدة أن 200 ألف آخرين قد تبعوهم. ومن ثم صدر تعليق لأعمال الترحيل بعد ضغط دولي على الرياض.
وجدت الصحيفة الكثير من المهاجرين المجبرين على التهجير قبل خمسة أشهر قد تركوا ليتعفنوا في مراكز احتجاز موبوءة، وتظهر الصور المسربة تعرّض عدة مهاجرين لاصابات جلدية مشوهة ولم يتلقوا أي علاج طبي.
من جهة ثانية يظهر مقطع فيديو قصير مسرب غرفا كثيرة مغطاة بقذارات من مراحيض طافحة. ويمكن سماع رجل إثيوبي وهو يصرخ: «هذه المراحيض مسدودة، حاولنا فتحها ولم ننجح، لذلك نجلس وننام على القذارة».
يضيف الرجل: «نحن مجرد نمل بالنسبة للسعوديين أو حتى آبي، فعندما نموت لا يهتم بنا أحد» في اشارة الى رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد. وتشهد البلاد تقسيما طبقيا عميقا وفق العرق والفئة، اذ يتمتع المهاجرون الأفارقة بحقوق قانونية قليلة ويشتكي كثيرون من الاستغلال والاساءة الجنسية والعرقية من أصحاب العمل. 
تمكنت الصحيفة من تحديد موقع مركزي احتجاز، الأول في الشميسي قرب مكة المكرمة والثاني في جازان قرب الحدود اليمنية، ويعتقد وجود مراكز أخرى تؤوي آلاف الاثيوبيين. يقول المهاجرون في كل من المركزين إن الغرفة الواحدة تضم مئات الأشخاص، أما صور الأقمار الاصطناعية، فتظهر مباني كثيرة بالمركزين مما يعني وجود المزيد من المهاجرين في كل منهما ممن لا يمكن التواصل معهم.
ذكر بعض المهاجرين أنهم جلبوا قسرا من منازلهم في عدة مدن سعودية قبل وضعهم داخل المراكز، والبقية مهاجرون أفارقة هربوا من اليمن بسبب الحرب، اذ ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن قوات الحوثيين استغلت الوباء ذريعة لتهجير آلاف المهاجرين الإثيوبيين الى السعودية.