الكفـــاح لتحــريــر عـلـم «الأبــورجينيز»

بانوراما 2020/09/29
...

فرانسيس ماو 
ترجمة: مي اسماعيل
شريط اسود يمثل الشعب، وآخر أحمر يمثل ارتباطه بالأرض، ودائرة صفراء في المركز تمثل الشمس، هذا تصميم علم الأبورجينيز (سكان استراليا الأصليون. المترجمة)؛ وهو علم يُشاهد في أنحاء استراليا؛ فوق الجسور والمباني، ومرسوماً على الجدران، ومطبوعاً على القمصان، بدأ هذا العلم أساساً كرمز احتجاج؛ لكنه بات الآن معروفاً كرمز سائد لسكان استراليا الأصليين، وعلم رسمي للبلاد، لذا حينما ظهر خلال العام الماضي أن بعض السكان الاصليين أُمِروا بايقاف استخدامه؛ ارتبك الكثيرون؛ فقلة من الناس كانوا يعرفون أن العلم مقيد بقانون «حق النشر».
حالياً، يتعين على مجموعات السكان الأصليين أن تدفع إلى شركة لا يديرها السكان الأصليون لإعادة إنتاج العلم على الملابس والبضائع، تلك الحالة أغضبت الكثيرين، وأعلنت النائبة عن السكان الأصليين ليندا بيرني التي تحمل صورة العلم وشماً على ذراعها؛ أن ذلك الرمز «محتجز كرهينة». وتحت ضغط متزايد، ورد أن الحكومة الاسترالية تدرس الاستحواذ على «حق النشر» ذاك؛ لكنها تواجه قضايا قانونية وثقافية معقدة.
 
كيف حدث هذا؟
على خلاف أغلب الأعلام الرسمية؛ لا تملك الحكومة الاسترالية هذا العلم، بل انه يعود الى هارولد توماس؛ الفنان من الشعب الأصلي الذي صممه سنة 1971 لحركة الحقوق المدنية لشعبه «الأبورجينيز». 
يحتفظ توماس بحقوق الملكية كاملة؛ وهي حالة تم توضيحها بعد معركة قانونية في التسعينيات، وقام بتأجير حقوق النسخ لشركات مختلفة على مر السنين. وفي سنة 2018 وقّع عقدا مع مؤسسة تدعى «ملابس وام-WAM Clothing» يمنحها حقوقا عالمية حصرية لاستخدام العلم على الملابس والوسائط المادية والاعلام الرقمي. وعلى خلاف حاملي عقود الإيجار السابقة؛ قامت الشركة بتطبيق هذه الحقوق بقوة، واكتشفت العديد من منظمات السكان الأصليين؛ بما فيها المنظمات غير الربحية، هذا الأمر بطريقة صعبة، تقول لورا تومبسون، من جماعة «Gunditjamara» (سكان أستراليا الأصليون من جنوب غرب فيكتوريا. المترجمة)، التي تدير مؤسسة لبيع قمصان مطبوع عليها صورة العلم، لجمع الاموال لتغطية كلف الخدمات الصحية للابورجينيز: «تسلمت أمرا قضائيا بالايقاف من مجموعة محامين، يأمرني بالتوقف عن بيع الملابس (المزينة بالعلم) خلال ثلاثة أيام». ولشعورها بالغضب؛ بدأت لورا حملة بعنوان: «حرروا العلم»، وجمعت عريضتها المنشورة على الانترنت نحو 150 ألف توقيع، وجرى تقديمها الى البرلمان خلال العام الماضي. ومضت تقول: «كيف يمكن لشخص أو تجارة ما أن تحتكر العلم؟ وهو يعود لجميع السكان الاصليين «الابورجينيز»؛ فلماذا يجب عليهم الدفع للحصول عليه؟ انه رمز لبقاء شعبنا، والعديد منا لا يتفاعلون مع العلم الأسترالي؛ لأنه يمثل بالنسبة لنا الاستعمار والغزو، نحن الذين رفعناه وأعطيناه المكانة التي هو عليها الآن». 
 
رمز للفخر الوطني
عرضت شركة «وام» على لورا الاستخدام المجاني للعلم؛ لكنها رفضت، وأثار غضبها أن شركة ليست أبورجينية تسعى لتحقيق الارباح من الهوية الثقافية الابورجينية، وتصاعد الغضب المجتمعي بعد ورود تقارير عن مشاركة أحد مالكي الشركة بعمليات تجارية لبيع قطع فنية زائفة، بزعم أنها تعود للسكان الأصليين، منذ العام الماضي انضم العديد من السياسيين والشخصيات البارزة من السكان الأصليين إلى الاحتجاج على حق النشر والاستخدام، لكن القضية استقطبت أكثر اهتمام ممكن في استراليا المهووسة بالرياضة، حينما رفض مسؤولو رابطة كرة القدم الأسترالية (AFL) الاستمرار بدفع ثمن استخدام العلم الشهر الماضي، وحذت رياضات أخرى (مثل الركبي) حذوهم. وقالت الرابطة انها لن تستخدم العلم في مباريات الابورجينيز؛ وهي سلسلة مباريات تحتفي بمساهمات السكان الاصليين في اللعبة؛ دعما لحملة تحرير العلم، في حين أن العلم كان سابقا مرسوما على ارضية الملعب وملصقا على ملابس اللاعبين، وقّعت جميع الفرق المشاركة على الطلب، وحضّت المتفرجين على ارتداء العلم أو التلويح به؛ رغم أن بعض المراقبين لاحظوا ان هذا التحرك قد ساعد الرابطة؛ التي تشكو ضيقا ماليا بسبب الجائحة، على توفير بعض المال. ومع ذلك، كثيرا ما ظهر علم الابورجينيز في لحظات الفخر الوطني؛ إذ حملته العداءة كاثي فريمان، بالإضافة إلى العلم الأسترالي بعد فوزها بالميدالية الذهبية بسباق 400 متر خلال أولمبياد سيدني
 عام 2000. 
وافق مجلس النواب الاسترالي مؤخرا على اجراء تحقيق حول حقوق ترخيص استخدام العلم، كما أقر المشرعون بيانا بأن المصالح التجارية تقيد استخدام العلم و.. «تضع الربح قبل الفخر الوطني». كما دعا البيان الحكومة.. «للقيام بكل ما في وسعها لتحرير العلم، وإعادته لكي يتمكن المجتمع بأسره من استخدامه؛ مع تأكيد الاحترام للمصمم هارولد توماس في الوقت ذاته».. ولكن؛ هل يمكن
 ذلك؟
 
مناقشات معقدة
يقول الخبراء ان هارولد توماس وشركة «وام» يمتلكان الحق الكامل برسوم الترخيص والنسخ، وفقاً لقانون حق النشر الاسترالي، ومؤخرا نشر مؤسسو شركة «وام» تصريحا بأنهم لن يمنعوا الافراد من استخدام العلم لأسباب شخصية؛ لكنهم سيتعاملون بشكل مختلف مع الترويج أو الاستخدام التجاري. أما توماس فقال أنه باع حقوق استخدام العلم كي يستحصل أجور الأتعاب الأدبية لقاء عمله الفني ولمنع عمليات التقليد التي تتم في الخارج، وانه نال الكثير من الانتقاد جراء عمله هذا، ومضى يقول: «الكذبة الاولى التي قيلت عني أنني بعتُ علم الابورجينيز»؛ كما وصف الادعاء أنه خان بني جلدته بأنه.. «قدح
 وتشهير». 
أما المتحدث باسم وزير السكان الاصليين الاستراليين كين وايات فقال: «ليس من شأن الحكومة أن تُملي على السيد توماس مع من يتعامل تجاريا». لكن الصحافة المحلية ذكرت أن الحكومة قد تكون منفتحة على شراء حقوق التأليف والنشر من السيد توماس؛ ووصف تأليب الحقوق القانونية ضد المجتمع بأنه.. «مسألة دقيقة وحساسة».. واستطرد قائلا: «ألتزم ببذل كل ما في وسعي للتوصل إلى قرار يحترم ليس فنان العلم فقط؛ بل الحقوق والمشاريع والفرص لجميع 
الأستراليين».