صفقة سلام أم سباق تسلّح؟

بانوراما 2020/10/03
...

 روث إيغلاش وكارين دي يونغ
 ترجمة: أنيس الصفار
تثير صفقة بيع دولة الإمارات العربية طائرات أميركية متقدمة مشاعر القلق لدى بعض الخبراء الأمنيين في اسرائيل من أن يكون الشرق الأوسط قد وقف اليوم على حافة سباق تسلح رغم توقيع الدولتين اتفاقية سلام بينهما في البيت الأبيض مؤخراً.يقول مسؤولون أميركيون وإماراتيون كبار ان اتفاقية السلام تمهد الطريق امام ادارة ترامب للمضي في عملية بيع مقاتلات "أف 35" النفاثة وغيرها من الاسلحة المتقدمة للدولة الخليجية. 
هذا المنظور يصعّد التوقعات بأن اسرائيل وغيرها من دول الشرق الأوسط سوف تسعى هي ايضاً للحصول على مزيد من الاسلحة المتقدمة.صفقة البيع هذه تثلم مشاعر الحماس الكبيرة التي اثارتها اتفاقيتا السلام في اسرائيل وتحققت بوساطة البيت الأبيض لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية والبحرين ايضاً. يقول تشاك فرايلخ، وهو مساعد سابق لمستشار الأمن القومي في اسرائيل ومحلل متخصص في العلاقات الأميركية الاسرائيلية: "من منظور عسكري بحت أعتقد أن هذا تطور خطير، لإن الأمر لا يقتصر على تكنولوجيا تسلح جديدة، طائرات "أف 35 " تعد منصة سلاح قائمة بذاتها كلياً".
ويضيف ان هذه الطائرات سوف تمثل قفزة دراماتيكية في قدرات الجيش الاماراتي.
 
تفوق اسرائيلي
قال وزير المخابرات الاسرائيلي "إيلي كوهين" في مقابلة معه ان اتفاقيات السلام التاريخية التي وقعت مؤخراً سوف تحصن الأمن الاسرائيلي عبر تقوية التحالف ضد إيران، التي يصفها بأنها التهديد الرئيس لاستقرار الشرق الأوسط. وقال كوهين: "سياستنا واضحة ازاء الاحتفاظ بالتفوق وسوف نحتج على اي سلاح يمكن أن يضر بهذا التفوق".
لم يكشف المسؤولون الأميركيون او الاماراتيون اية تفاصيل تتعلق بصفقة البيع المقترحة، ولا حتى عدد الطائرات او مستوى تطور الطراز، ولكن ثمة قانوناً مشرعاً منذ 12 عاماً يلزم الولايات المتحدة بضمان احتفاظ اسرائيل بما وصف "الحد النوعي الأعلى عسكرياً".
في حديث مع الصحفيين قال وزير خارجية الإمارات أنور قرقاش ان اتفاقية السلام مع اسرائيل يجب ان تزيل آخر "ذرة شك" بشأن ما اذا كان أمن اسرائيل معرضاً للخطر بسبب طلب الإمارات القديم تحديث قواتها الجوية بطائرات "أف 35".
بيد ان شخصية رفيعة المستوى في مؤسسة الدفاع الاسرائيلية حذرت بالقول، ان ما من ضمانة تكفل بقاء العلاقات بين اسرائيل والإمارات على ودها. قال هذا المسؤول الكبير، الذي تحدث مشترطاً عدم الاعلان عن اسمه: "الأمور تتقلب بسرعة في هذه المنطقة، لذا علينا وضع هذا دائماً في الحسبان، اسرائيل دولة صغيرة وتفوقها العسكري هو الذي يمنحها عمقاً ستراتيجياً افتراضياً، وفقدانها هذا التفوق يثير اقصى درجات القلق على الأمن الاسرائيلي".
نشرت صحيفة "اسرائيل هايوم"، المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ان الجيش الاسرائيلي يستعد لتقديم قائمة مشتريات الى الولايات المتحدة تتضمن معدات عسكرية متقدمة من شأنها ضمان احتفاظ اسرائيل بتفوقها العسكري.و قالت الصحيفة ان القائمة، التي لا تزال قيد الاعداد من قبل لجنة مختصة شكلها نتانياهو ووزير الدفاع "بيني غانتز"، قد تتضمن ذخائر متقدمة بالاضافة الى الإسراع بتسليم طائرات "في 22 أوزبري" ذات المحرك المائل الدوران وطائرات قتالية واسلحة اخرى. بيد أن الجيش الاسرائيلي لم يؤكد ما أورده هذا التقرير.
 
تغاضي
جاء في تقارير الإعلام الاسرائيلية والاميركية ان نتانياهو قد أسرّ بشكل شخصي أنه ينوي التغاضي حيال الصفقة المقترحة لبيع طائرات للإمارات العربية ضمن مجمل الصفقة التي تشمل تطبيع العلاقات بينها وبين اسرائيل. لكن نتانياهو، الذي وصل الى واشنطن قبل موعد الحفل في البيت الابيض، أنكر أكثر من مرة موافقته على مثل هذا الاتفاق. جاء في تصريح صادر عن مكتب نتانياهو انه قد أعلن معارضته بوضوح من خلال جلسة حوار بينه وبين السفير الأميركي "ديفد فريدمان" بخصوص بيع طائرات "أف 35" أو سواها من الاسلحة المتقدمة الى اية دولة اخرى في منطقة الشرق الأوسط.
ربما كانت الولايات المتحدة قد خططت لتزويد الإمارات العربية بنسخة من طائرات "أف 35" تسمح لاسرائيل بالحفاظ على حد التفوق، كما حدث في صفقة سابقة عندما بيعت طائرات من طراز "أف 16" لمصر. لكن ليس من الواضح بعد إن كانت الإمارات العربية، التي تمتلك حالياً قوة جوية عالية القدرات، سترضى بما هو دون النسخة الأعلى تطوراً من طائرات "أف 35".
 
مخاوف قطرية
خلال مقابلة اجريت معه في واشنطن اثناء مشاركته في المشاورات الأمنية مع مسؤولين أميركيين شاطر وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني المسؤول الاسرائيلي مخاوفه بشأن مبيعات الاسلحة الى منطقة الشرق الأوسط. قال الوزير القطري: "لا نريد أن نشهد اية تصعيدات في المنطقة، لقد رأينا مدى حاجة منطقتنا الى مزيد من السلام والتركيز على الانتعاش والرفاه والتنمية بدلاً من شراء المعدات العسكرية، ما نأمله هو أن يبقى أي طرح يوضع قيد النظر ضمن غايات الدفاع عن بلداننا لا الاعتداء على بلدان أخرى". من الجدير بالاشارة ان العلاقات بين قطر والامارات قد تأزمت بشدة في السنوات الأخيرة.
ينتج طائرات "أف 35" اتحاد ترأسه شركات أميركية ويضم سبعة من حلفاء أميركا، وقد تسلمت هذه الطائرات حتى الان ست دول حليفة أخرى، او انها في طور التفاوض لأجل ذلك. أما الامارات العربية فسوف تكون اول دولة عربية تحصل عليها.
في العام 2008 شرعت الولايات المتحدة قانوناً يلزمها بضمان احتفاظ اسرائيل "بالحد النوعي الاعلى عسكرياً" في منطقة الشرق الأوسط، وقد نال هذا التعهد دعماً واسعاً من الحزبين. على مدى السنوات التالية أمدت الولايات المتحدة اسرائيل بقدر وافر من المساعدات العسكرية وفاء بهذا التعهد وخصصت ادارة اوباما مبلغ 38 مليار دولار بصورة حزمة مساعدات تغطي 10 سنوات.
مشاعر القلق الاسرائيلية بشأن مبيعات طائرات "أف 35" للإمارات قد تلقى صدى وتعاطفاً لدى بعض اعضاء الكونغرس، حيث يقول احد المستشارين في الكونغرس وثيق الصلة بعمليات التسليح: "الأمر مرهون بما تبتغيه الإمارات بالضبط، لأن ذلك يمكن ان يحدث وعكة لدى الحزبين، التساؤل عندنا يتزايد، لأن الادارة لم تحطنا بمعلومات كافية، قد لا يرى البعض بأساً في ذلك، ولكنه تحرك يمكن أن يغير قواعد اللعبة .. ترى لأي صراع يحتاجون طائرات من طراز أف 35؟".
 
لا عراقيل امام الصفقة
كانت هناك صفقة مبيعات اسلحة أميركية للامارات تضمنت حزمة متقدمة بقيمة 8 مليارات دولار ابرمتها ادارة ترامب في العام الماضي. فمن خلال الإعلان عن "وضع طارئ"، ظاهره التهديد المتمثل بإيران، استطاع البيت الابيض تفادي اشراف الكونغرس على الصفقة، كذلك استخدم الرئيس ترامب حق النقض ازاء قرار للحزبين كان سيوقف مبيعات سلاح أميركية للسعودية والامارات لاستخدامها في اليمن. لكن سيكون من الصعب اليوم الاعلان عن "وضع طارئ" مرة ثانية لتمرير صفقة "أف 35" لأن وزير الخارجية "مايك بومبيو" نفسه وصف اعلان "الوضع الطارئ" في العام الماضي بأنه اجراء "لمرة واحدة".
يعتقد "آرون ديفد ميلر" وهو مفاوض أميركي سابق في عملية السلام في الشرق الأوسط، انه سيكون من الصعوبة بمكان على المشرعين عرقلة صفقة "أف 35" الجديدة حتى لو ارادوا ذلك، لأن من الصعب على الكونغرس تحمل مسؤولية تعطيل شيء يبدو مرتبطاً باتفاقية سلام، وفيه ترويج للمصالح القومية الأميركية. في اسرائيل تعرض نتانياهو للانتقاد بسبب عدم إبلاغه كبار اعضاء حكومته بما تتضمنه الاتفاقية من تفاصيل بالضبط.
يقول "نتزان هوروتز" زعيم حزب ميرتز والعضو في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان (الكنيست) الاسرائيلي: "لا يعلم احد ما تحتويه تلك الاتفاقيات، ولكن الشيء المؤكد أنه ليس سلاماً مقابل سلام". 
يضيف هوروتز، وهو من المدافعين الرئيسين عن السلام مع الفلسطينيين، ان الاتفاقيات لم تخضع للمناقشة داخل الحكومة او الكنيست، وان نتانياهو لم يتشاور مع قائد اركانه او وزيري الدفاع والخارجية، وهذا شيء لم يحدث من قبل، لقد تجاوزهم نتانياهو بأجمعهم.
يقول هوروتز انه يشعر بقلق عميق ازاء احتمال بيع انظمة سبرانية متقدمة للامارات مستقبلاً، لأن هذه التكنولوجيا يمكن أن تنتقل بكل سهولة حتى تصل الى الأيدي الخطأ.
عن صحيفة واشنطن بوست