ما الذي يمكن فعله لإعادة المياه لبحر الآرال؟

بانوراما 2020/10/04
...

بورتيا كنتيش
ترجمة: شيماء ميران
كان بحر الآرال رابع اكبر بحيرة في العالم، يمتد عبر اوزبكستان وكازاخستان، ويماثل من ناحية الحجم جزيرة ايرلندا، لكن حجمه قلَّ كثيراً منذ عقود نتيجة لسوء إدارة الحقبة السوفييتية وعدم حمايته وتفاقم آثار ازمة المناخ، لتصبح بقاياه المغبرة ذكرى كالحة للإهمال البيئي، معطية لمحة عن شحة المياه المتزايدة مستقبلا.
يتذكر مارات ألاكواتوف احد سكان مويناق في قرقل باغستان المستقلة بأوزبكستان عندما كان بحر الآرال يعني قرى الصيد النشطة: «آخر مرة رأيت سفناً في البحر كنت بعمر الخامسة او السادسة عندما ذهبنا للسباحة». لكن السفن اختفت منذ فترة طويلة.ويعود ذلك الى القرار الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي عام 1960 باستخدام السهول القاحلة الواسعة للمنطقة المحيطة ببحر الآرال لزراعة القطن الذي يحتاج الى كميات وفيرة من المياه، ما دفع الدولة لبدء خطة ضخمة لتحويل مجرى النهرين سيحون (Sir Darya سير داريا) وجيحون (Amu Darya آموداريا) الى قناة بطول 500 كم لري حقول القطن، وذلك لافتقارها لبنية تحتية هيدروليكية كافية، ما أدى الى حرمان البحيرة من المياه المغذية لها.
وفي عام 1980 كان يصل للبحيرة 10 بالمئة فقط من مياه النهرين، حتى انقسمت البحيرة عام 1989 الى جزأين، وبحلول عام 1997 لم يتبق إلا 10 بالمئة من حجمها الذي كانت عليه قبل اربعين عاما، فتحولت 95 بالمئة من خزانات المياه والاراضي الرطبة الى صحراء، وجفت اكثر من خمسين بحيرة في دلتا النهرين، واختفى الجزء الشرقي من البحر كليا عام 2014.
وبينما تتعاضم الصحراء المحيطة لبرهة من الزمن، كان لجفاف بحر الآرال تداعيات مأساوية غير مسبوقة. إذ اصبح عالقا في حلقات التغذية المعكوسة حيث تسخن مياهه الضحلة بسرعة وتتبخر مرارا وتكرارا، ما ادى الى ارتفاع مستويات الاملاح، فاصبحت المياه ملوثة بالمبيدات والسماد. واليوم تتشكل العواصف الترابية من تربة قاع البحر الممتدة لمئات الكيلومترات والمقفرة بالاملاح والمواد الكيميائية. وتضاءل التنوع البيولوجي واصبح مناخ المنطقة بالكامل اكثر قسوة.
مقبرة السفن
يوضح استاذ كلية لندن الجامعية (انسون ماكاي) المتخصص بتأثير تغيّر المناخ في انظمة المياه العذبة: «أدى تراجع مستويات المياه وتزايد الملوحة الى انخفاض كبير في التنوع البيولوجي، إذ كان هناك ما يفوق عشرين نوعا من الاسماك في البحيرة مسجلة في اوائل السبعينيات، لكنها اختفت جميعها بعد بضعة عقود، فضلا عن هلاك الثدييات والطيور والكائنات المائية الاخرى».
ووفق الاستاذ ماكاي فان حجم الدمار الهائل كان محسوسا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ما أثر في سكان قرى صيد الاسماك التي كانت تنتشر على الخط الساحلي: «كانت لهذا تأثيرات غير مباشرة في الاقتصادات المحلية والاقليمية المعتمدة على إزدهار صناعة صيد الاسماك. وان زيادة سُميّة مياه البحيرة بسبب تركز الملوثات أدت الى تزايد الامراض بين سكان المنطقة». لقد شهدت مناطق مثل قرقل باغستان ارتفاعا استثنائيا بعدد الوفيات نتيجة دمار البحر والتلوث الجرثومي والعواصف الترابية التي سببت امراضا تنفسية كالسل والتيفوئيد والزحار، فضلا عن تزايد معدلات السرطان والانيميا وارتفاع معدلات أمراض ووفيات الاطفال.
واليوم غادر الكثيرون منطقة الآرال بأكملها، وبقيت القوارب الصدئة وسط الصحراء واختفت مجتمعات صيد الاسماك، وتبخر الاقتصاد المحلي ببساطة مع البحر.
يقول ألاكواتوف: «عندما اختفى البحر اصبح السكان هناك عاطلين عن العمل، وفقد الجيل الاكبر سنا أملهم بالمستقبل».
ويقف التنافس على المياه عبر الحدود، واستمرار سوء الإدارة، والمعوقات البيروقراطية، إضافة الى التغير المتسارع للمناخ امام أي امل بانتعاش البحر. يوضح ماكاي الذي يعتقد أن تزايد بناء مصافي الغاز في الجانب الاوزبكي دليل على انعدام الأمل بانتعاشه: «تشارك إدارة مستجمِعات البحيرة مع استمرار وجود مزارع القطن خصوصا في اوزبكستان بالزوال المتواصل لبحر الآرال، ما لا يضمن أن يكون تدفق نهر جيحون كافيا لانتعاش البحيرة».
 
نجاح خجول
وبينما اصبح وضع البحر سيئا نتيجة للإهمال البيئي، تركز الاهتمام على كيفية تخفيف الآثار السلبية، فاطلقت الامم المتحدة برنامجها لتطوير منطقة بحر الآرال في اوزبكستان، ورغم تركيزه على مساعدة التجمعات البشرية والحد من الفقر وتعزيز الأوضاع، لكنه لا يشير الى وجود هدف لإحياء البحر ذاته. لقد تمكنت كازاخستان من تحقيق بعض النجاح على الاقل في الحفاظ على ما تبقى. فاطلقت عام 2005 مشروع كوكارال بدعم من البنك الدولي، وتضمن بناء سد بين الجزأين الشمالي والجنوبي للبحر لمنع تدفق المياه جنوبا وزيادة مستويات المياه، ما أدى الى عودة بعض الاسماك والحياة المائية الى الجزء الشمالي من البحيرة لدرجة أصبح صيد الاسماك صناعة قابلة للنمو بالنسبة للبعض مرة اخرى.
وتفاجأ رئيس فريق البنك الدولي (مسعود احمد) بمدى تأثير المشروع: «لم نكن نتوقع كمية التدفق هذه، كان النجاح مذهلا».
جاءت حماية الجزء الشمالي لبحر الآرال على حساب جزئه الجنوبي الذي استمر بتصحره. وهذا يسلط الضوء فقط على ضرورة التعاون السياسي الخارجي، لان تفاقم أزمة المناخ يُسّرع من زواله ويعزز ضرورة استعادته، ما دفع الكثيرين الى دعوة المجتمع الدولي لفعل المزيد، خصوصا ان المنطقة المحيطة بالبحيرة عابرة للحدود، ومرور نهري جيحون وسيحون عبر عدة دول، فلكلٍ رأيه في كيفية إدارة مياهه. يقول ماكاي: «لكننا نحتاج الى الإهتمام عالميا، فهل صناعة الالبسة والغزل والنسيج والازياء مثلا تحقق ما يكفي لدعم الاستخدام المستدام للقطن؟، بالتأكيد لا. فعلى الصعيد الدولي تحتاج الهيئات الى مواصلة طرح المبادرات لمساعدة المتأثرين بتغيرات المناخ، كما يجب على الهيئات متعددة الجنسيات ومجتمعنا الرأسمالي السائد بذل المزيد من الجهد لضمان استدامة البضائع التي نشتريها».