ليليان براون.. مشوار «ماكيرة» الرؤساء ينتهي عند 106

بانوراما 2020/10/04
...

كاثرين كيو سيلاي
ترجمة: ليندا أدور
لم تقتصر مهمتها على مكياج الوجوه فحسب، بل تعدتها الى تقديم النصح والمشورة حول الأداء والمظهر، وساعدت القادة والرؤساء على تقديم أفضل ما لديهم على التلفاز، انها ليليان براون، فنانة المكياج لزمن طويل، لتسعة رؤساء أميركان، بدءاً من دوايت دي آيزنهاور وصولاً الى بيل كلينتون.
في الثامن من شهر آب من العام 1974، استدعيت براون، على وجه السرعة، للحضور الى البيت الأبيض، اذ رأت الرئيس ريتشارد نيكسون ينشج باكياً، وقد أحاقت به فضيحة ووترغيت، كان على وشك الظهور على التلفزيون الوطني لإعلان استقالته. 
بعد سنوات تستذكر براون تلك اللحظات قائلة: «كانت حالته سيئة للغاية، وأمامنا 6 دقائق فقط قبل الهواء، ففكرت ما الذي يمكن فعله لهذا الرجل؟»، حاولت مداعبته بتذكيره بموقف طريف حدث في أحد أعياد الميلاد مع كلبه الايرلندي «الملك تيماهو»، انفجر بعدها نيكسون ضاحكاً، ولضيق الوقت، عدّلت براون من مظهره ليقف أمام الكاميرات.
 
محض صدفة
 قبل أن يكون هناك مستشارون إعلاميون بأجور باهظة، لتدريب النخبة السياسية، كانت هناك ليليان براون، أو ماري ليليان جوزفين بروكس، الفتاة الريفية المولودة في الثامن من آب 1914 في مزرعة اسرتها بولاية أوهايو، التي عملت كمقيّم لزوايا التصوير كمواقع آنيات الزهور ضمن إطار شاشة التلفاز، ووضعت الخطوط تحت الكلمات المهمة في نسخة الملقن وساعدت على الاسترخاء قبل اللحظات المهمة. لم تكن براون، ذات البدايات المتواضعة والحس العالي، خبيرة تجميل لكنها تفهم طرق التقديم والعرض، خلال مقابلة أجريت معها العام 2010، قالت: «لم أكن أعرف شيئاً عن المكياج، لكن كنت أنظر الى الشاشة والى الشخص لأعرف ما يتوجب القيام به، وأذهب مباشرة الى الصيدلية لأشتري كل ما أحتاجه».جاء عمل براون، التي توفيت مؤخراً بمنزلها في ماكلين بولاية فيرجينيا عن عمر 106 اعوام بسبب الجلطة، كما ذكرت ابنتها القسيسة كارلا براون غوريل، كخبيرة شاملة ومستشارة تصوير بمحض الصدفة، فقد تصادف ذهابها للكنيسة ذاتها التي يحضر آيزنهاور اليها في خمسينيات القرن الماضي، فبدأت بالتفكير بالرؤساء وكنائسهم، وبدأت بإعداد حلقات متلفزة عن هذا الموضوع.  قادها ذلك لأن تصبح مقدمة برامج تلفزيونية، عندما رآها أحد منتجي شبكة سي بي أس وهي تضع المكياج لضيوفها، حتى الرجال منهم، فقرر التعاقد معها لوضع المكياج لضيوف برنامج «واجه الأمة» مقابل 19 دولاراً لكل جلسة، وكان أول زبائنها هو رئيس مجلس النواب سام رايبورن، استمر عملها بمجال المكياج لدى مكتب CBSبواشنطن طيلة اربعين عاماً، التقت خلالها بالعديد من الشخصيات وأصحاب الشأن والنفوذ وكان من بينهم مذيعا الأخبار والتر كرونكايت وإيريك سيفاريد، الى جانب إليانور روزفلت، في سنوات ما بعد البيت الأبيض، ومارتن لوثر كينغ جونيور. 
 
الكاميرا جاهزة
غالبا ما كان، من أصبحوا رؤساء البيت الأبيض، يطلبون حضور براون قبل الظهور في أي مقابلة تلفزيونية. تقول براون بأن الرئيس جون كينيدي، قد يبدو طبيعيا على الشاشة، لكن ذلك تطلب الكثير من الجهد بقولها: «كان يدفعنا للجنون بأسئلته الدائمة والمستمرة» حول إن كان عليه الجلوس ووضع ساق فوق أخرى، لتأتي الإجابة «أي وضع يشعرك بالراحة»، وإن كان عليه أخذ دروس في الصوت ، فاتبع نصيحتها وحضر ورشة حول ذلك.
في حديثها لصحيفة «نيويورك تايمز» سنة 1994، قالت براون: «أراد كينيدي أن يفهم ما الذي تفعله الكاميرات والإنارة والعدسات له، كان يسير خلف الكاميرات ويسأل الفنيين: «كيف تدمج الصوت؟ لماذا تضع الضوء هناك؟»، كان أول رئيس يفهم عبارة «الكاميرا جاهزة»»، وكانت براون حينها، قد فهمت، أكثر مما يفهمه العامة آنذاك، مقدار الألم الجسدي الذي يعانيه، فعندما تقوم بتعديل سترته، كانت تشعر بمشد ظهره. أصبحت براون فنانة تجميل للعديد من السيدات الأوائل، فقد وقع اختيار جاكلين كينيدي عليها، في الوقت الذي كان بإمكانها اختيار أكثر فناني المكياج تطورا على مستوى العالم، لأجل تهيئتها لجولتها المتلفزة الشهيرة بعد إعادة تجديد البيت الأبيض عام 1962. تشير براون الى أن رونالد ونانسي ريغان، القادمين من هوليوود، كانا يعرفان الكثير عن المكياج والتجميل ويفضلانه كثيرا، لكن المنتجين التلفزيونيين كانوا يعتقدون بأن الرئيس يحضر للتصوير وهو يضع الكثير من المكياج، فكانوا يطلبون منها، قبيل البث على الهواء، إزالته. 
 
ربطة عنق وجوارب
غالبا ما كانت براون، عندما يتم استدعاؤها الى البيت الأبيض، تحمل معها عدة صغيرة تضم مساحيق التجميل وإخفاء الهالات السود والبقع الداكنة وكريم الأساس السائل والمناديل. كانت حقيبتها لا تخلو من ربطة عنق داكنة (عندما يرتديها الرئيس ستبدو متلألئة على الشاشة)، وزوج من الجوارب السوداء الطويلة (في حال كان الرئيس يرتدي قصيرة، لم تكن ترغب بظهور جزء من ساقه فوق الكاحل عند جلوسه بساقين متقاطعتين). لا تزال قواعد براون الأساسية حول لون الملابس متبعة حتى الآن وهي: تجنب ارتداء اللون الأحمر لأنه ينزف على الشاشة (له علاقة بالضوء)، تجنب الأبيض لأنه «ينفخ» من يرتديه، وتجنب المطبوع والمخطط، وتفضل تدرجات ألوان الأزرق والرمادي، لم ترغب أن تصرف الملابس الانتباه عن الشخص، تقول براون: «هدفي أن أجعل الأشخاص يبدون طبيعيين كما هم تماماً».
نشأت براون، وترتيبها السادسة بين سبعة أطفال، لأب يعمل مزارعا ثم أصبح وكيل تأمين، وأم تعمل معلمة في مدرسة من غرفة واحدة، دون كهرباء أو مياه جارية، كانت تذهب مع اخوتها للمدرسة على عربة مهر، حصلت على شهادة التدريس سنة 1933، ودرست الصفوف الثلاثة الأولى بمدرسة والدتها. بحلول العام 1941، تزوجت من طيار البحرية جورج براون، وتنقلا بين قواعد عسكرية مختلفة حتى انفصالهما عام 1961. تنقلت عبر وظائف عدة بجامعة جورج واشنطن والجامعة الأميركية وجامعة جورج تاون لتتقاعد منها عام 2009 وعمرها 95 سنة.