فقر الأنغام في الأغنية الحديثة

الصفحة الاخيرة 2020/10/09
...

سامر المشعل 
أغلب الاغاني التي نسمعها في السنوات الاخيرة هي ملحنة على مقام واحد، هو مقام « الكرد « وايقاع واحد، هو ايقاع « الهيوه «. منذ ربع قرن ونحن نسمع أغنية احادية المقام، وهذا الامر له آثاره الذوقية السلبية.
نعم معظم الاغاني التي نسمعها هذه الايام هي من مقام «الكرد» واحيانا يتطرق بعض الملحنين الى مقام «البيات» ومقام «النهاوند». اما بقية المقامات مثل «الرست»، و«السيكاه»، و «الحجاز»، فلا يتقرب منها مطربو هذه الايام، على الرغم من أن هذه المقامات تمثل هوية الثقافة العربية وطابعها الشرقي.
وعلى الرغم مما يحتويه مقام «الكرد» من جمال وتطريب وعاطفة، الا ان سماع نغم واحد، يؤدي الى افقار أذن المستمع وتصحر ذائقته الموسيقية، لذلك نجد الاغاني الحديثة متشابهة ومتشابكة، وسطحية ليس فيها عمق، وتحويلات نغمية تنم عن هندسة لحنية للنص الشعري وانثيالاته النغمية.
الاغاني القديمة كنا نلمس فيها الروح الشرقية، وكانت زاخرة بالمقامات وهذا التنوع والثراء ينعكس ايجابا على اثراء الذائقة وغناها بالالوان الغنائية، وكنا نتحسس عبقرية وابداع الملحن في التنقل بين المقامات برشاقة وابداع غير محدود، وعلى سبيل المثال الموسيقار رياض السنباطي في قصيدة «الاطلال» تناول في مقدمة الاغنية أكثر من اربعة مقامات، يستعرض فيها مفاتيح هذه المقامات وكأنه يقدم موجزا لحنيا، ثم يستظهر جمال هذه المقامات في متن القصيدة.
كذلك فعل الملحن عبد الحسين السماوي مع المطرب فؤاد سالم في أغنية «صوت الغريب»، اذ وظف سبعة مقامات في هذه الاغنية.
وعندما نتحدث عن فقر الاغنية من التنويعات النغمية، فهذه الظاهرة لا تخص الاغنية العراقية وحسب، انما هي تمتد الى عموم الاغنية العربية، والغريب أن تكون مصر التي بدأت منها تيارات التجديد في الغناء العربي وقادت عصر الازدهار الغنائي بأصوات محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ، هي نفسها شهدت أول تيارات التسطيح والاغتراب عن النغم الشرقي.
سألت صديقي الملحن علي بدر عن سبب عزوف الشباب من تلحين أغان على مقامات متنوعة واقتصارها على مقام واحد ؟ فعزا ذلك للمطرب نفسه. وقال لي « عندما أقول لمطرب دعني الحن لك أغنية على مقام الرست، يرفض ويطلب ماهو متداول وشائع «. والسبب في ذلك بحسب الملحن بدر، هو فقر ثقافة ووعي المطرب التي انتجت لنا فقرا في المقامات الموسيقية.
في السابق كان الملحن يقود عملية الابداع، فيصوغ اللحن بذكاء لاستظهار مناطق الجمال في صوت المطرب، ويتجول عبر أحساسه وصوته في حقول الجمال النغمي. أما الان فان المطرب هو من يقود الملحن ويفرض لونا غنائيا يعكس فقره الثقافي وتدني وعيه وتردي ذائقته وبالتالي أنتج لنا أغنية استهلاكية سطحية غير قادرة على المكوث بالذاكرة 
الابداعية.