افتيح ابو حديبه

ثقافة شعبية 2020/10/10
...

حمزة الحلفي
بدءاً من هذا العدد أواصل عمودي "أسماء في الذاكرة" استجابة لطلب أصدقاء وقراء، مبتدئاً بـ "افتيح ابو حديبه" مع وعدٍ بتلبية ما أشار به أستاذي ومعلمي حسن العاني، بجمعها في كتاب.
وأبو حديبه.. شعلة من نشاط يتخطى عاهتهُ، في مساعدة أهل الدربونه.. وفجراً يذهب الى "علوة المخضر" يحمل للبقالين بضاعتهم عائداً الى السوق يبيع ما وهبه التجار من خضراوات وفواكه.. غير أجور عمله حمالاً.
قصير القامة أحرقت وجهه الشمس، لكنه يعتني بمظهره أثناء وخارج العمل.. يتعطر بـ "ريحة أم السودان" الشائعة آنذاك، تشم على بعد أمتار من وصوله. 
توفي أبوه مبكراً ولم يرث منه سوى حدبة وبيت بغرفتين وأختٍ واحدة جميلة نسبياً وأم شبه ضريرة.. افتيح.. واسمه الحقيقي فتاح، لم يلتفت في يومٍ الى ما وراء ظهره ولا يهتم لهذه الحدبة التي ابتلاه أبوه بها.. لا يضيق باستهزاء الأطفال: "ابو حديبه" بل يردهم بابتسامة عطف... حتى طلب يد أخته خديجة ابن عم والدته، أرمل ريفي مسن، عارضاً غبنته "كصة بكصة" ووافقت كل الأطراف، تزوجت خديجة وجيء ببنت الريفي، فكانت المفاجأة.
بعد يومين توجه العروسان.. فتيح وحياة لزيارة الكاظم، عملاً بالعرف المتداول؛ فصُدم الأهالي بجمال الزوجة.. شقراء فارعة، كل شي فيها مثير ومغرٍ؛ غيرت نظرة الدربونة الى فتيح.. حسده الرجال وغارت منها النساء، وشمل التغيير صاحبنا فتاح، متحولاً الى شخصٍ آخر يتحسس من كل شيء ويعاني بحدبته فلا يظهر في الشارع خوفاً من تندر الأطفال.
فتح دكان بقالة، معاملاً الناس بزهوٍ وغيّر عطره اللاذع بعطر متطور واستبدل الدشداشة ببدلة أنيقة.. صار يخرج ويعود خلسة تحاشياً لرؤية الناس حدبتهُ، وكأنه يشاهدها أول مرة.
بين ألم الحدبة وسعادته بالزوجة الفاتنة التي حبلت، مرت الأيام، وحان المخاض، فاستعان بالقابلة أم مجيد.. كالعادة، والمنطقة كلها تشاركهُ الانتظار، حتى سمعنا هلاهل ما فتئت أنْ خمدت متحولة الى عويل.. ماتت حياة وخرج الطفل ذكراً معافى من دون حدبة جميلاً مثل أمه.
وبعد أشهر قليلة باع فتاح الدكان ورجع لحالته السابقة ودوداً مرحاً يضحك بوجوه الأطفال الذين يصيحون خلفه: "ابو حديبه"ـ