الاقتصاد اللبناني يعيش أسوأ أيامه

بانوراما 2020/10/11
...

نبيه بولص
ترجمة: الصباح
يصارع لبنان للتخلص من أزمة وجودية متعددة الجوانب تسببت بخفض قيمة الليرة الى أقل من ربع قيمتها السابقة، وجلبت شبح العجز الى مكان اشتهر بالوفرة وأثارت رفضاً واسع النطاق للطبقة الحاكمة.
الأهم من كل شيء أن لبنان الذي يقترب عدد سكانه من سبعة ملايين نسمة، اصبح بلداً مفلساً، فهو ينتج القليل جداً ويعتمد على الواردات في كل شيء تقريباً، والعملة الصعبة نادرة، وتحاول الدولة تطوير صناعات محلية مثل الاستفادة من أشهر صادراتها: المخدرات؛ في مسعى لكسب العملة الأجنبية، وهذه الدولة المتوسطية الصغيرة مسؤولة عن ستة بالمئة من انتاج القنب العالمي، ما يجعلها ثالث أكبر دولة مصدرة لهذه المادة وفقاً لتقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة العام الماضي، رغم حقيقة أن تجارة القنب كانت غير مشروعة حتى وقت 
قريب.
مطلع نيسان الماضي، ضربت البلاد أول موجة من فيروس «كورونا»، ومع ذلك وجدت الحكومة المشلولة وقتاً لإباحة استخدام القنب لأغراض طبية وصناعية، لتجعل لبنان أول دولة عربية تجيز ذلك، يحتاج القرار قانوناً للتغطية والتنفيذ، ويقترح مسؤولون فكرة انشاء هيئة تصدر تراخيص للشركات لزراعة ومعالجة وبيع القنب ومشتقاته، وقد يدر ذلك مليار دولار ويجذب استثمارات جديدة للبلاد وعائدات ضريبية اضافية.
تعد قرية «يمونة» شرق البلاد، إحدى بؤر زراعة هذا النبات، وتقع حول بحيرة هادئة تعكس منظراً طبيعياً لجبال مخضرة وحقول نضرة، عند دخول القرية تظهر كتابات على الجدران تدعو لموت أميركا وتتعهد بالولاء للمقاومة، في اشارة الى حزب الله، ويبلغ عدد سكانها نحو خمسة آلاف نسمة.
الموقف الرسمي للحزب مضاد للمخدرات، فهو من الاطراف القليلة التي عارضت تشريع العمل بها، لكن الحزب وصل نقطة انفراج مع مزارعي القنب كما يقول هلال خشان أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت.
ويضيف ان الحزب، وكذلك الدولة، لا يستطيعان منع المزارعين من كسب مصادر عيشهم من هذه المادة.
 
مصلحة متبادلة
يعد علي شريف، وهو «مختار» القرية، مثالا جيداً على التفاهم مع الآخرين، ففي زيارة الى الحقل الذي يبعد دقائق قليلة بالسيارة عن منزله يشير الى حقل تفاح الى جانب حقل القنب، ويقول «لديك شقيقان، الأول يزرع التفاح والثاني يزرع القنب، إنها مسألة معتقدات».
عمل المختار علي شريف موروث، اذ بدأ والده بزراعة القنب منذ عشرينيات القرن الماضي، وازدهرت التجارة خلال الحرب الأهلية المدمرة التي انتهت عام 1990، وأطلقت الدولة بعد ذلك حملة استئصال، لكن تلك الجهود تعثرت عام 2011 عندما بدأت الحرب في سوريا ودفعت قوات الأمن اللبنانية للتركيز على التهديدات الجديدة، فخلال العام 2017، زرع نحو 100 ألف فدان من الأراضي اللبنانية بالقنب، وفقا لاحصائيات الأمم المتحدة.
حاولت الدولة أيضا عرض حوافز للمزارعين مقابل زراعة محاصيل أخرى، لكن المشكلة هي أن القنب تسهل زراعته ويزدهر في تربة يمونة الصخرية ومناخها اللطيف ورطوبتها العالية، وهذا مختلف عن بقية النباتات، بالإضافة الى أرباحه المرتفعة.
جاء مسؤول العمال في الحقل، ويدعى محمود، وكذلك النساء المزارعات، من مدينة الرقة السورية، وحصلوا على اللجوء في لبنان، يبدأ عملهم بقطع سيقان القنب وتبقى على الأرض لمدة أسبوع الى أن تجف قبل نقلها الى المخازن، حيث يعتنى بها الى تشرين الثاني عندما تتحول المادة الصمغية اللزجة للنبات الى مادة هشة وجافة بسبب البرد وجاهزة للغربلة.
يذكر علي شريف أن المهربين يغيرون أساليبهم تجنبا لاكتشافهم، فيضعون القنب تحت الفواكه ومن ثم داخل أجهزة كهربائية، وعند اكتشاف ذلك يضعون المخدرات داخل مكان تثبيت اطار السيارات.
تباع المخدرات محليا، أو تهرب الى الأردن والسعودية، أو عبر موانئ سوريا الى أفريقيا وأوروبا.
ويجني مزارع القنب بين عشرة آلاف دولار الى 15 ألف دولار سنويا، أما المهربون فيربحون بين مليار الى ملياري دولار بالمجمل.
لا تزال أنشطة علي تعد مخالفة للقانون من الناحية الفنية، لأن التشريع لم يضع قانوناً له حتى الآن، لكنه لا يكترث لذلك، ويرى أن التشريع حيلة من الطبقة السياسية الفاسدة لخدمة المقربين.
صعوبة التشريع
يرى مؤيدو القانون الجديد أن التشريع سيساعد المزارعين بدلا من الموزعين فقط حاليا، ويقولون ان مجموعة من الشركات الكندية والصينية عبرت بالفعل عن اهتمامها باستخدام القنب اللبناني لانتاج الزيوت والعطور ومنتجات أخرى، لكن الخطة تواجه عقبات كثيرة، منها ان القانون يسمح باحتواء القنب بنسبة مئوية غير محددة حتى الآن من مادة « THC “ وهو مركب يغير المزاج يوجد في المخدرات، ويحتوي القنب اللبناني 18 بالمئة من هذه المادة، وهي نسبة عالية، ما قد يجبر المزارعين على التحول لبذرة 
مختلفة.
مشكلة أخرى هي ان التشريع يمنع أي شخص لديه سجل اجرامي من امتلاك ترخيص القنب، وهذا يستثني فعلياً معظم المزارعين والمهربين الحاليين، كما يقول طلال شريف “مسؤول القرية”.
ربما التحدي الأكبر هو حكومة لبنان الفاشلة، اذ لا يزال السياسيون يناقشون تشكيل حكومة بعد تفجير مرفأ بيروت في مطلع آب، والذي أسقط الحكومة 
السابقة. 
 
* صحيفة لوس أنجلس تايمز الأميركية