السلف والقروض..انتحار للمواطن وحياة للمصارف
ريبورتاج
2020/10/14
+A
-A
علي غني
الخوف من الالتزامات جعل أحد اصدقائي يقسم ألا يتورط بتحصيل سلفة او قرض، وذلك لكثرة الفوائد الضخمة والمبالغ فيها، فاضطرته الحاجة للبحث عن سلفة لتطوير بيته الصغير، لكنه لم يحصل عليها لا من المصارف الأهلية او الحكوميّة، فلجأ الى سلفة جماعية اقترحها عدد من موظفي دائرته، أما الآن فتجد دعوة صريحة من مصرفي الرافدين والرشيد والمصارف الاهلية بالتسليف، فما هو الشيء المثير في الموضوع ، وما هي الحقائق الصادمة التي لايعرفها المواطن، الذي يمكن وصفه انه تحت تخدير أموال السلف والقروض!.
بعثرة للمال العام
فاجأني المستشار الاقتصادي والمحكم الدولي دريد محمود الشاكر العنزي، بالحقيقة الصادمة، واصفا تسليف المصارف للمواطنين، بأنه بعثرة للمال العام، وتوجه بتشجيع الاستهلاك، وليس الانتاج، والربحية هي رديئة وربوية وغير منطقية، وتجاوزت حتى الحرام بنسبة 45 %.
وتابع العنزي "هذا الموضوع لو درس بطريقة أخرى متكاملة بتهيئة دراسات جدوى لمشاريع، وتم الاقراض لغرض انتاجي لتحول الوضع الاقتصادي الى خطوات أحسن من الاستهلاك الموجود الآن والذي تتراوح نسبته 80 - 90 % من المستورد".
يضيف العنزي "أن القروض تذهب للاستهلاك، وتسديدها بفوائد ستنهك المقترض على الرغم من تراكم الفائدة، ولم نلحظ أن المصارف قد أكملت كفاءتها المالية حتى تصل الى ما طلب منها البنك المركزي من رفع رأسمالها، ولا شاهدنا منها فقرات اقتصادية في المجتمع".
ويردف "بأن مبادرات البنك المركزي هي فاشلة، باعترافهم، الكل يأخذ فائدة، البنك المركزي والمصرف ومعاملات اجراء التحويل، اما التشغيل ففائدته تصل الى 8 بالمئة، فماذا يكسب المواطن، بهذا التراكم غير المنطقي للفائدة، وقد اثر بنحو سلبي في عدم
الإقراض".
حساب الأقساط
ينصح المديرالعام لمصرف الرشيد والمدير المفوض للمصرف الأهلي العراقي سابقا عبد الهادي صادق المواطنين بأنه "على الموظف قبل الإقدام على طلب سلفة، أن يدرسَ بإمعانٍ حاجته الفعليّة الضرورية لمبلغ السلفة، وألا يستخدمها بشراء سلع لا لايحتاجها، كما عليه أن يحسب حساب الأقساط، وهل تؤثر في ميزانيته الشهرية، لكي لا يقع في ضائقة اقتصادية، كما على التاجر المقترض أن يعرف القرض الذي يتسلمه هو لغرض تطوير مشروعه التجاري او الصناعي، وأن يلتزم بتسديده للحفاظ على سمعته في
السوق".
وعن التهافت من قبل المصارف على منح السلف للمواطنين والموظفين قال عبد الهادي: إنَّ" المصارف هي مؤسسات تجارية تهدف الى الربح، وذلك من خلال استثمار السيولة المتوافرة لديها في أوجه تحقق لها الربح، ومن هذه الأوجه القروض والسلف، التي تخضع لفوائد وعمولات يتحملها المستلف والمقترض، ومما شجع المصارف في الفترة الاخيرة على منح هذه السلف للموظفين، هو ان رواتب الموظفين المستلفين موطنة رواتبهم في المصارف، اي مضمونة استردادها 100 %، كما أنَّ هناك قروضا للتجار والصناعيين يكون منحها بضمانات مقبولة لاتعرض المصرف الى المخاطرة".
اما عن رأسمال المصارف والدولة متلكئة من تسليم الرواتب للموظفين فأجابني: أن" الأموال المخصصة للتسليف والاقتراض، فمصدرها هي الودائع المتنوعة، كالودائع الثابتة، وودائع التوفير، والحسابات الجارية، فكلما كانت قدرة المصارف على جذب الودائع جيدة، كلما كانت قدرتها على التسليف جيدة بشرط أن تكون هناك موازنة بين السيولة
والمخاطرة".
وأضاف " أما بشأن رواتب موظفي الدولة، فلا توجد علاقة لقدرة المصارف على التسديد بموضوع تأخر الدوائر بصرف رواتب الموظفين، فالدولة تصرف الرواتب من ايراداتها، وليس من أموال المصارف".
وأكد" أن نسبة الفوائد مصرف يحددها معتمدا على عدة عوامل كنسبة الفائدة على الودائع والمنافسة، وعلى المصاريف الإدارية، وغيرها وتختلف الفوائد من مصرف الى آخر".
وبين هيثم الجبوري عضو مجلس النواب ورئيس اللجنة المالية في المجلس، "ان السيولة في المصارف هي من أموال المودعين (المواطنين)، ويحصلون عليها أرباحا، فاذا لم تداور المبالغ ، فسيكون صعب التسديد لهم، فهذه السلف اذا كانت مضمونة، فالمصرف يعمل على اعطاء السلف او القروض، لذلك فالمواطن يلجأ الى المصارف، وبالتالي فالمصارف تأخذ فائدة".
فوائد مدعومة
دافع نائب رئيس مجلس ادارة المصرف الصناعي (حكومي تمويل ذاتي)، ومدير قسم ادارة المخاطر في المصرف محمد يعقوب العمران عن شريحة الموظفين من ذوي الدخل المحدود، مؤكدا "رغبة المصرف بتحسين الوضع المعيشي لهم، وارتأى المصرف بمنح هذه الشريحة قروضا وبفوائد مدعومة وبمدد طويلة نسبية، اذ منحنا قروضا وسلفا للمواطنين، ما قيمته 55 مليار دينار، منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية الشهر الثامن من العام نفسه، تساعدهم في قضاء احتياجاتهم، كما قمنا ايضا بمنح قروض اسكان لكل موظفي الدولة، ولكن بشرط توطين رواتبهم لدى المصرف، اذا كانوا من وزارات اخرى، وبفوائد لا تتجاوز 6 % سنويا ولمدة تصل الى (10 سنوات)، تسدد بأقساط متساوية لأصل القروض والفوائد، ويبدأ التسديد من الشهر الذي يلي تاريخ الصرف بضمانات".
اما في ما يخص قرض الإسكان، وضح العمران "ان كفيلا واحدا ضامنا يكفي (موظف حكومي) للمبالغ التي هي اقل من 50 مليون دينار، وكفيلان للمبالغ التي تزيد عن 50 مليون دينار، على أن تغطي رواتب الكفلاء الاقساط الشهرية مع الفوائد، مقابل تقديم سند عقار خلال مدة ستة اشهر من تاريخ مبلغ الدفعة الاولى، وفي حال تقديم سند العقار تنتفي الحاجة للكفيل".
واردف يعقوب: "ان المصرف يعتمد على ايداعات الجمهور مقابل الفائدة مثل حساب التوفير، هذه المبالغ تحمل مصاريف ادارية بسيطة بما يضمن الحد الادنى من الرواتب والاجور السنوية كوننا شركة تمويل ذاتي".
اما عن الاستثمار فقال العمران: "لا تستثمر المصارف الأموال في مشاريع صناعية او تجارية تخدم الحكومة والمواطن، وقد قدمنا قروضا للسادة الصناعيين الذين لديهم انتساب لدى اتحاد الصناعات العراقي، او الذين لديهم انتساب للمديرية العامة للتنمية الصناعية (وزارة الصناعة)، من أجل دعم المشاريع الجديدة من ناحية توفير الأموال اللازمة لشراء مكائن وحسب رغبة الزبون، مقابل تقديم جدوى اقتصادية من قبل المقترض من مكاتب رصينة مثل اتحاد الصناعات العراقية، الذي يشغل حاليا عضو في مجلس ادارة المصرف".
التشجيع على السلف
أغلب المصارف الحكومية التي زرتها، كانت تطلب منا أن نجلب الموافقات من مرجعياتها، لكن الحوارات التي أجريتها من دون ذكر الأسماء لمديري الفروع، سواء من المصارف الحكومية او الأهلية، اتفقت على أن المصارف اغلبها بدأت بالفعل حركة غير عادية بالتسليف، وذلك لأن العمل المصرفي يتطلب هذا الجانب، وذلك للحصول على فوائد تسهم باستمرار عمل المصارف، ولكننا عندما وجهنا سؤالنا للجميع عن ارتفاع سعر الفائدة بنحو غير مسبوق، فلم نجد جوابا شافيا.
تغيير النظام المصرفي
المستشار والمحكم الدولي دريد محمود العنزي يوضح "أنَّ المقياس العالمي لقوة ونوعية المصارف يسمى التصنيف الائتمناني، وهذا التصنيف على ثلاث درجات، ويقاس بها بمكانة المصرف، والنظام المالي للدولة وهذه الاقسام هي:ThreeAAA، وهي أقوى قوة مالية وتبادل مصرفي في شتى أوجه الإقراض والمنح والتمويل والاستثمار، مع ملكية المصارف لمبالغ عالية مهيأة لأي عملية مصرفية تتدرج الىTwoAA,A هذا التدرج يعكس القوة المالية للمصارف، والثاني ThreeBBB وهكذا ،والثالث Three، ويتدرجCC,C".
الادخار السلبي
يتابع العنزي "ان هذا التدرج يعكس قلة أو محدودية المصرف لتطبيق الامور المالية الموكلة للمصارف، وهذا ينسحب على البنك المركزي العراقي الذي تصنيفه الانتماني B أو ناقص B ،يعني لا يقترض، ولا يقرض من ليست له امكانية تسديد قروضه، وليس له حق الاقتراض، صعوبة تغطية اي نشاط اقتصادي للدولة، ومحدودية إصداره للسندات الداخلية، لايستطيع إصدار الضمانات السيادية، وهكذا انعكس على المصارف الحكومية والأهلية، علما أنه لا يوجد مبدأ التمويل في المصارف العراقية كافة، بل مبدأ الاقراض والذي هو مضيعة لرأس المال وبعثرته ليتحول الى الاقراض الاستهلاكي بنسبة عالية جدا، وهذا ما نراه من عدم وجود مشاريع متناهية الصغر أو صغيرة أو حرفية، والاستهلاك هو السائد، وهو من البضا ئع المستوردة لقلة او عدم وجود المنتج المحلي بنحو عام، اذ لا يمثل المنتج المحلي بكل اشكاله نسبة 3 بالمئة من الدخل القومي".
وعن الوضع الاقتصادي العام وهل يسمح بتطوير المصارف أجاب بحسرة: "كلا بل انه لا يسمح بزيادة مدخرات المصارف، ولا حتى دخولها في أي تقييم دولي بسبب عدم الثقة بها من المواطنين، والتي سببت الإدخار السلبي في بيوت المواطنين، وعدم الايداع وتبلغ نسبة الادخار السلبي اكثر من ثلثي المبلغ المطبوع من العملة، وهذا ادى الى افتقار التمويل للمصارف بالاساس، اذ اعتمد على مبلغ الادخار البسيط لخلق قروض ربوية، اذ وصلت نسبتها
45 % ، وهذه ليس فائدة!".
أكثر من حقيقة؟
كل من التقيناه من المواطنين يشكو من ارتفاع نسبة الفائدة، ولذلك هناك مشكلة تواجه اغلب المقترضين، وهو التلكؤ في التسديد، وهو امر شخصه لي العديد من مديري المصارف الحكومية والاهلية، فنحن نقترح على المصارف تقليل نسبة الفائدة، حتى يستفيد المقترض من السلفة بنحو كامل، الى جانب الاختصار في سنوات التسديد.