ابو عنتر والخوشيه

ثقافة شعبية 2020/10/17
...

حمزة الحلفي

 
سكون الشوارع في منطقتنا إبان السبعينيات، الا من بعض المارة والسيارات لايعني غير شيء سوى عرض المسلسل السوري "ملح وسكر" وللتاريخ كان هذا المسلسل قدَّم بطاقة تعريفية عن تفصيلات المجتمع السوري الشعبي ومسار يوميات الحارة الشامية المشابهة للمنطقة الشعبية العراقية، بطولة دريد لحام"غوار الطوشة"، ونهاد قلعي" حسني البورضان"، وناجي جبر، الذي أدى ببراعة دور "ابوعنتر".
وأبو عنتر قبضاي باللهجة الشامية، وهو الفتوة باللهجة المصرية، وشقاوة باللهجة العراقية، التي أسفرت عن كلمة "خوشية" مجهولة المصدر.
لكن "ابو عنتر" جاء متناسباً ومتلائماً مع شيوع وانتشار جماعة "الخوشية" المتوزعين بين أحياء الثورة – الصدر، يمارسون السطوة على المقاهي والتجمعات الفقيرة وينادون بالولاء لهم من أخذ "الخاوه" فارضون "الاتاوة" على المتمكنين والغلابه. 
اصبح ابو عنتر  حينها الرمز المرئي للخوشيه، يقلدون مشاهده ويرددون كلماته باللهجة السورية، ووصل بهم الامر الى ضرب من يتطاول بالكلام على رمزهم الافتراضي، حتى تحولت مقاهي المناطق الى سوح معارك دامية يومية، بعد انتهاء عرض كل حلقة من "ملح وسكر". 
وأسفر هذا السلوك الى تدخل السلطة المتمثلة بالشرطة المحلية والبعثيين؛ لإخماد هذه الثورة العبثية، فكان رد الفعل الخوشي عنفياً بمواجهة السلطة.
وللتخلص من هذه الظاهرة المستحدثة أوجد الاعلام العراقي آنذاك وسيلة تشوه هذا الـ " ابو عنتر".
ومرت حلقات المسلسل مثل مسير السلحفاة على اكتاف السلطات حتى انتهت آخر حلقة "بطلعان الروح" و"الخوشيه" لا يزالون ينظرون الى صاحبهم متواجدا بين ارواحهم ولا يعني لهم نهاية المسلسل نهايته الى الابد، ولم يمضِ اسبوعان حتى عرض تلفزيون العراق سهرة تلفزيونية اخرى بطولة ناجي جبر" ابو عنتر" لكن بشكل مختلف، إذ يظهر هنا شابا "مودرن" مسالما عاشقا حليق الشارب يلبس القمصان الزاهية الموردة ويقول الشعر والاكثر من هذا ظهوره وهو ينضرب من قبل أخ حبيبته بشكل مهين ولا يدافع عن نفسه؛ فكانت صدمة ما بعدها صدمة على قلوب (الخوشيه) وهم يشاهدون بطلهم بهذا الذل، فتغيرت ألوان وجوهم وخاب ظنهم، حتى قام أحدهم واطفأ التلفاز قائلا بصوت عال: "مع الاسف طلع صاحبنا بوخه" واردف الاخر: "يخسى والله" وانهى الكلام شاعر من بين الحاضرين: "شفتو الاعلام شيسوي".