التخطيط: أكثر من 31 % من نفوس العراق تحت خط الفقر
ريبورتاج
2020/10/18
+A
-A
ســـها الشيخلــي
وقفت سعدية الارملة بين طوابير الدوائر، وهي تتخطى شبيهاتها من النساء، وقد احتضنت ملفها الخاص، حائرة تبحث عن ذلك النور الذي سيضيء حياتها وبناتها الثلاث، فقد استشهد ابنها المعيل الاول والاخير لهن بعد وفاة زوجها، وها هي تبحث عن مرتب الاعانة الشهرية لسد متطلبات الحياة دون أن تمد يدها للغير، ولكي لا تكون بناتها عرضة لمتاعب الحياة وهمومها في بلد الحضارات والثروات.
وقفت سعدية (58 عاماً) كما تقف الارامل والمعوزات، واللاتي يعيشن حياة سعدية نفسها، وربما اسوأ في بلد يمتلئ بالثروات، وعرف منذ آلاف السنين بانه الأغنى، فقد امتلك التجارة والصناعة والزراعة، وتفوق على العالم القديم في كل صنوف المعرفة، واليوم تعلن وزارة التخطيط أن نسبة خط الفقر في العراق بلغت 31.7 % وهذا يعني أن اكثر من ربع نفوس الوطن تعاني الفقر، وهذا يؤكد ان البلد غني ولكن شعبه فقير، والسبب الفساد وسوء ادارة الاموال.
ربع السكان
التقت "الصباح" بالناطق الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي الذي قال: "لا نلقي باللائمة دائماً بما يحدث في البلد على الفساد وسوء الادارة، فالفقر في العراق ليس حديثاً، اذ كانت مؤشرات الفقر قبل 2003 مرعبة جدا، ولم يكن مسموحاً لاحد الحديث عنه، وبعد 2003 تغير المستوى المعيشي للمواطن، اذ كان متوسط دخل الفرد 300 دولار سنوياً، والان متوسط دخل الفرد 6000 - 7000 دولارسنويا، فقد انخفضت مؤشرات الفقر في عام 2013 الى 15 %، وفي 2014 وعندما حلت حربنا ضد "داعش"، ارتفعت نسبة الفقر الى 23 %، اذ يسمى بالفقر العابر او الطارئ، وفي 2018 - 2022 اطلقت الوزارة ستراتيجية تخفيف الفقر الثانية، وفي عام 2019انخفضت نسبة الفقر من 23 % الى 20 %، وفي مطلع عام 2020 دخلنا في الازمة المزدوجة التي تمثلت بفيروس كورونا والازمة الاقتصادية، اذ اننا في هذا العام اجرينا دراسة مع البنك الدولي، وفريق اكسفورد الدولي، وخبراء من الوزارة لقياس هذه الآثار على الفئات الهشة والضعيفة، واكتشفنا ان نسبة الفقر ارتفعت من 20 % الى 31.7 % اي 32 %، في فترة الحظر، اي ان 400.11 مليون شخص كانوا تحت مستوى خط الفقر، او اكثر من ربع السكان، والان لو اجرينا دراسة سنجد ان النسبة انخفضت كون الدراسة السابقة كانت في ظروف الحظر الشامل".
الجهاز المركزي للإحصاء
أكد الهنداوي أنَّ الجهاز المركزي للاحصاء هو الذي نفذ هذه الدراسة العلمية، وليس المسح الميداني بالاعتماد على معايير علمية معتمدة دوليا، اذ اخذت الدراسة بنظر الاعتبار مجموعة من الحقائق والسيناريوهات، واعدت بمشاركة البنك الدولي، وفريق اكسفورد الدولي وجهات اخرى، وبالتعاون مع الستراتيجية الوطنية لخفض الفقر، ودورهم كان الدعم، والمتابعة للمعايير العلمية والدولية وتم التوصل الى نسبة 7و31 %".
30 ألف دينار
واكد ان "الغرض من الدراسة هو لوضع الحلول والمعالجات لشريحة الفقراء، وقد رفعت الى مجلس الوزراء، ووزارة العمل وعلى ضوئها قدمت الحكومة منحة مالية طارئة وقدرها "30" الف دينار للفرد الواحد وهم 11 مليون شخص، اضافة الى توفير سلع غذائية في الاسواق، والمحافظة على الاسعار، وتناولت الستراتيجيات الصحة والتعليم والسكن، وتحسين شبكة الحماية الاجتماعية، اما التخطيط فترسم السياسات والتنفيذ على الجهات الاخرى، ولكي نقيس خط الفقر يجب أن يكون الدخل الشهري للفرد الواحد 110 آلاف دينار، ويحتسب الفقر بآليتين، وهما الدخل الشهري وهو الاساس، والفقر المتعدد الابعاد الذي يشمل الصحة والسكن والتعليم وتمكين المرأة وعودة النازحين، وفي الظروف الراهنة لا يمكن توفير كل هذه المؤشرات، بل نركز على الجانب الصحي، او تحسين الدخل من خلال المنح المالية او شبكة الحماية او دعم الاسعار".
ويردف الهنداوي بان "الوزارة تعمل بشكل جاد، ولكننا لم نصل بعد الى نهايات العمل لرسم مسارات جديدة، او اعادة النظر بخطة التنمية الخمسية، او بالخطة المستدامة، لكي تكون الخطط مستجيبة للتحديات، ونكون قادرين على معالجة تداعيات الازمة الراهنة في المستقبل".
الستراتيجيَّة الكبرى
وأشار المكتب الإعلامي للنائب محمد شياع السوداني وزير الصناعة الاسبق، الى أنَّ لجنة التخطيط الستراتيجي ومتابعة البرنامج الحكومي دعت الى تفعيل ومراقبة الخطط الستراتيجية الكبرى التي اقرت من قبل، وتركت من دون تنفيذ وعلى رأسها "ستراتيجية التخفيف من الفقر"، والخطة التنموية الشاملة حتى عام 2022 وغيرها.
وقال النائب المستقل محمد شياع السوداني: "لا يمكن لاي عمل من قبل الحكومة أنْ يتم من دون أنْ يكون هناك تخطيطٌ مسبق، لا سيما أنَّ العراق يواجه العديد من المشكلات والتحديات"، لافتاً الى أنَّ "الدولة تطمح الى استثمار الموارد، وخلق فرص تنموية، فلا بد أنْ تكون هناك خططٌ لتحقيق أهدافها".
وأكد السوداني أنَّ "العراق من الدول الرائدة في اعداد التخطيط والستراتيجيات، وهذا بشهادة وكالات متخصصة في الامم المتحدة والمنظمات الدولية، فقد سبق وأن اعدت الدولة ستراتيجية التخفيف من الفقر في عام 2009، وجددتها في عام 2018، اذ اقرت ستراتيجية التخفيف من الفقر الثانية التي تمتد الى عام 2022".
وأشار الى أنَّ "الحكومة اقرت الخطة التنموية الشاملة التي تضم جميع القطاعات، وتؤسس لخق تنمية شاملة على المستوى الوطني وهي خطة التنمية الوطنية 2018 - 2022".
مشكلات التنفيذ
يبين السوداني أنَّ "الحكومة أقرت الستراتيجية الصناعية الوطنية من 2020 - 2030 وهذه الخطة مقدمة للنهوض بالواقع الصناعي، اضافة الى اقرار ستراتيجية دعم القطاع الخاص، وستراتيجية الطاقة، وهذه الخطط كلها منجزة بعد دراستها والاستعانة بجميع المعنيين من الخبرات الدولية والوطنية، وصولا الى اعداد هذه الخطط والستراتيجيات والبرامج".
واضاف السوداني ان "المشكلة التي تواجه هذه الخطط هي التنفيذ والمتابعة، لانها تتلكأ في التنفيذ الذي يعد خارج نطاق هذه الخطط والستراتيجيات في بعض المفاصل، ما يؤثر في الاداء العام المجمل وفي النتائج، وانعدام المتابعة التي تلازم عمل كل الوزارات وخططها، فضلا عن قطاعات ومؤسسات الدولة، فلا توجد متابعة حقيقية لتنفيذ هذه الخطط بدقة".
وبين النائب السوداني ان اعداد هذه الخطط اعتمد على التوقيتات الزمنية، وتوزيع ادوار مهمة بين الوزارات ومؤسسات الدولة، اذ كان على الحكومة والبرلمان ان يراقبا مدى التزام المؤسسات الحكومية والسلطات التنفيذية بتنفيذ هذه الخطط".
صندوق الحماية
التقت "الصباح" مدير عام هيئة صندوق الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل، جاكلين صليوا ، اذ قالت: "ان قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014، مستند على خط الفقر، ووفق النسبة التي اوردتها التخطيط، وهي 31.7 %، وعلى وفق هذا القانون تم اعداد جدول للاعانات لكل فرد بـ(105) آلاف دينار، اي ان استحقاق كل اسرة 420 الف دينار شهريا، بغض النظر عن عدد افراد الاسرة، ولكننا نعلم ان هناك تحديات كبيرة استجدت بالاسعار، اذ كان خط الفقر سابقا نسبيا ومسيطرا عليه، لكن بعد 2014 - 2015، بدأت الازمة المالية العالمية والتي القت بظلالها على العراق، علما انه بلد ريعي، يعتمد على النفط، لذلك اثرت هذه الازمة في قانون شبكة الحماية الاجتماعية، وحالياً وفق آخر المعايير، احتسب لكل فرد تقريباً (دولاران) يومياً أي يصل المبلغ الى 60 دولاراً شهريا، والمادة 24 من قانون رقم 11 لسنة 2014 من قانون الحماية تنص على أن لرئاسة الوزراء اعادة النظر في هذا الجدول وفق الظروف والتحديات الاقتصادية، وبعد احداث "داعش" تغيرت خارطة الفقر، اذ فقدت اغلب الاسر عملها".
كورونا
تبين صليوا " بعد الازمة الاقتصادية وتداعيات ازمة النفط، من غير الممكن أن نطلب زيادة هذه المبالغ، فضلا عن ازمة كورونا التي ازداد بسببها العاطلون عن العمل، من اصحاب العمل غير المنظم، فقد وسعت كورونا خارطة الفقر، وتوجد لدينا احصائية بشمول مليون و400 الف اسرة بالاعانة، اذ نحتسب لكل اسرة متكونة من (4) افراد، اذاً سيكون المشمولون (7) ملايين شخص في الوقت الذي لدينا (11) مليون فرد تحت خط الفقر، لذلك نظرا للازمة المالية لا نستطيع توسيع قاعدة الشمول، علما ان المبالغ المقدمة هي اعانة مؤقتة وليست راتبا، ولدينا شباب عاطلون لذا يجب ان نعطيهم قروضا، لكي يخرجوا من قائمة الفقر، ويدخلوا الى قائمة التشغيل، اما الشخص العاجز فيبقى معنا في خط الفقر، ومع كل ذلك فان البلد ليس فقيراً، بل هناك سوء ادارة للاموال وتعاقب الحكومات وسياساتها الاقتصادية، وهذه مهمة ديوان الرقابة المالية، والتي كانت سابقا بمسؤولية مكتب المفتش العام الذي يحدد سير الأموال".