ريفيات قهرن التحديات لتحقيق أحلامهن

ريبورتاج 2020/10/20
...

   عباس رضا الموسوي
بكفوف سمراء تشبه رغيف الخبز، يلوحن لك من بعيد كي تهتدي إليهن بين سنابل الحقل الأخضر، لترى كلما اقتربت الهوينة بشاشة تلك الوجوه السومرية التي زادتها حرارة الشمس الحارقة صلابة، تكسرت أمامها كل التحديات القبلية القديمة، فما أن تقف قرب تلك العيون الغائرة تجد نفسك واقفاً امام تاريخ من الكفاح المجيد من بشائره أن المرأة الريفية التي خطت بالقلم لم تهجر المنجل. 
قدرات "ام سلمان"
ما أكثرهن ، النساء اللواتي يتمتعن بقدرات تفوق احيانا قدرات الرجل، فقد حدثنا التاريخ عن نسوة خارقات، تحولن الى قائدات لجيوش وحاكمات لإمبراطوريات، فالإرادة القوية تخلق الاستحالة، واعتقد أن ام سلمان (٤٢ عاماً) من هذا الصنف من النسوة، اذ تقول بفخر بان على وجهها البشوش : "لقد ولدت وعشت في قرية (المعيطيرة)، ومنذ طفولتي رغبت بتعلم القراءة والكتابة على الرغم من (الحظر)، فرفض ابي وامي واخواني، ولم يقف معي سوى عمي، الذي تحمل لأجلي العناء، فدرست مع الأولاد، ولم انقطع عن مساعدة امي في المنزل أو الحقل، فكنت الفتاة الوحيدة المتعلمة في قريتنا قبل أن انتقل الى المدينة مع أسرة عمي، لأكمل دراستي التي وظفتها أيضا بعد ذلك لتعليم فتيات قريتنا".
 مضيفة "من حسن طالعي هجر عمي القرية وسكن المدينة، فأخذني معه، لذا عندما حصلت على شهادتي الجامعية، وضعت كل الهدايا التي حصلت عليها من الأهل والأقارب امام عمي الذي ساندني منذ الوهلة الاولى". 
 
"الظلم ينجب العدل"
اعتقد في بعض الأحيان، أن الفشل يلد نجاحا والظلم ينجب العدل، ومن الخسارات تكسب الربح، فلكل تجربة فائدة يكتسبها الذي يصر على تحقيق النجاح، ولا يؤمن بالهزيمة الدائمة، وهذا ما حققته بشرى الغزي (٥٥ عاماً) اذ تقول : "لقد عشت في قرية "سيد محيل"، وكنت اعمل الى جانب امي في المنزل والحقل وتربية الجاموس، وتحضير القيمر والحليب الذي نصدره الى أسواق المدينة، وكنت احلم بالدراسة الى حد لا يوصف، ولكن التقاليد حالت دون تحقيق ذلك، لذا قررت عندما تزوجت أن يحصل أولادي وبناتي على افضل تعليم".
و تردف الغزي "الان ابنتي في مرحلتها الاخيرة في كلية الطب، وولدي يدرس الطب في جورجيا، لذلك اشعر ان الحرمان الذي عشته في القرية تحول الى عطاء".
"سانية الفصليَّة"
ربما يؤيدني الكثير عندما أقول، ان التقاليد القبلية البالية والتي كانت السبب الأبرز الذي يقف وراء مظلومية المرأة الريفية قد انحسرت، وربما تنقرض بمرور الوقت، فلو أخذنا على سبيل المثال (سانية الفصلية)، فانها وان مازالت موجودة كمصطلح عشائري، الا انها استبدلت بمبلغ من المال، بدلا عن اقتياد المرأة الى منزل الرجل، لخطأ ارتكبه شقيقها بحقه، وكذلك "سانية" (زواج الكصة بكصة)، وهو زواج دون مهر تقريبا، اي يزوج كل منهما شقيقته للآخر، اذ يقول الشيخ غانم الحمادي (٦٥ عاماً) "لقد تغيرت الكثير من السنن العشائرية التي لطالما كانت المرأة ضحيتها وهذا الأمر بات سائداً لدى الجميع تقريبا، لكون الظروف تغيرت والثقافات لم تعد كما كانت في سابق عهدها". مضيفا "ان اغلب (السواني العشائرية) أصبحت تقر بحقوق المرأة، وخصوصا بموضوعات مثل ( المهر والحضانة والاحترام)".
حملات ارشاديَّة
لا شك أن للحملات الإرشادية التي اطلقتها الحكومات المتعاقبة والمنظمات المدنية على مدار العقود الماضية، اثرها الإيجابي بخصوص حقوق المرأة الريفية المغتصبة، وهنا يقول ممثل منظمات المجتمع المدني في محافظة الديوانية سالم البديري: " لقد حققت منظمات المجتمع المدني نجاحات كبيرة في تغيير النظرة العشائرية السائدة تجاه المرأة الريفية، من خلال العشرات من الندوات التي احتضنها الريف العراقي، خصوصاً في مجال التعليم والصحة والعنف الأسري وباقي الحقوق".
مضيفا "لقد أخذت بعض المنظمات على عاتقها تعليم المرأة الريفية، وتأهيلها لتكون فيما بعد مرشدة لباقي النساء في محيطها الريفي، وهذا الشيء ما كان ليتحقق لولا جهود جبارة بذلت من متطوعين كرسوا جل حياتهم لإنصاف المرأة الريفية، واعطائها دورها الريادي في المجتمع".