الدفاع عن العراق مسؤولية عراقيَّة لا أميركيَّة

بانوراما 2020/10/20
...

  دانيال ديفز/ عن مجلة “ذي فيدرالست” الأميركية

  ترجمة:  أنيس الصفار

في الاسبوع الماضي أعلنت المتحدثة باسم البنتاغون “جيسيكا مكنالتي” أن الولايات المتحدة مستمرة في خفض قواتها المتواجدة في العراق من 5200 الى 3200 عنصر، ثم أضافت مكملة بقول ينبغي أن يدق جرساً لدى كل أميركي أن الولايات المتحدة سوف تبقى على التزامها بضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة “داعش” ودعم أمن العراق واستقراره وانتعاشه على المدى البعيد. بيد أن هذا الدور ينبغي ان يكون مهمة الجيش العراقي لا القوات المسلحة الأميركية.

لا شك ان خفض حجم القوات أمر مستحسن ولكن الاجراء السليم الأنسب هو السحب الفوري لكافة القوات. كثيرون في واشنطن لا يزالون يعتقدون أن مسؤولية الحفاظ على قوة الحكومة العراقية وحيويتها، إن لم نقل نجاحها من الاساس، تقع على كاهل الولايات المتحدة.
يدعي احد الزملاء من معهد دراسات الحرب ان خفض القوات الأميركية كان خطأ. يعتقد هذا المحلل ان ادارة ترامب قد سمحت للوضع السياسي في العراق بالتدهور الى حدود خطيرة من خلال تقاعسها عن العمل مع الحكومة العراقية، وأن هذا قد صب في صالح تنظيم 
“داعش”. 
من المهم الاشارة هنا الى أن الحكومة الأميركية لا تجيز توجيه العراق او ارغامه بخصوص ما يفعل، ومن ثم فإنها لا تملي عليه سياساته الداخلية. 
ما تستطيع واشنطن فعله، وما ينبغي أن تفعله حقاً، هو ان تضع سياسات تعود على الولايات المتحدة بفوائد أمنية واقتصادية في المستقبل. أما الحكومة العراقية فإن واجبها هو حماية شعبها وتوفير فرص الرخاء له وهذا من شأنها. الحقيقة المؤلمة الثابتة حتى الآن هي أن الولايات المتحدة لا تمتلك الأهلية ولا المقدرة للحفاظ على أية حكومة اجنبية بثمن مقبول.
على مدى السنين كان هناك من يدعي ان انسحاب أوباما من العراق في 2011 هو الذي ادى الى نهوض “داعش”، ولكني سبق أن بينت بالتفصيل كيف ان قيام “داعش” لا شأن له بالانسحاب الأميركي بل هو حصيلة تداعيات وسياسات داخلية خاطئة.
يزعم كثيرون أن الأميركيين لا يمكنهم الانسحاب من العراق او سوريا، لأنهم لو فعلوا فإن “داعش” ستعيد بناء نفسها، بيد أن هذه النتيجة أبعد ما تكون عن الواقع المحتوم، لأن قوات سوريا الديمقراطية وكذلك القوات الروسية والسورية والإيرانية جميعاً سوف تواصل ملاحقة “داعش” في سوريا، أما في العراق فسيتولى الجيش العراقي محاربتها. الانسحاب الأميركي لن يتيح لـ “داعش” الفرصة بأي شكل لإطلاق يدها، ولكنه سينقل عبء مقاتلة التنظيم ويضعه في موضعه الصحيح، على عاتق من هم اشد عرضة لخطر “داعش” وتهديده، وهما الحكومتان العراقية 
والسورية.
النقطة الأهم في هذا كله هي ان أمن أميركا ليس رهناً أبداً بامتلاكنا قوات منتشرة في اية ساحة خارجية وقضية “بيتلز”، وهم مجموعة من مقاتلي “داعش” الذين يتكلمون الانكليزية بلكنة بريطانية ومارسوا قتل الابرياء بوحشية متناهية، خير مثال على مدى قدرتنا على تشخيص اي خطر يهدد أميركا بشكل مباشر ثم استهدافه والقضاء عليه او 
اعتقاله.
ألقت القوات المحلية الحليفة بقيادة الكرد القبض على مجموعة “بيتلز” في مطلع العام 2018 ثم أحالتهم في نهاية المطاف الى الولايات المتحدة، ومحاكمتهم التي تلوح في الأفق إنما تحققت بفضل الجهد الدبلوماسي الكبير مع بريطانيا، كل هذا لم يتطلب منا نشر قوات أميركية في سوريا للقبض على هؤلاء الهمج والاقتصاص منهم. 
كذلك كانت مهمة ضرب أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” أبلغ وأوضح تعبيرا عما نقوله. فبعد محاولات استمرت سنوات لقتل زعيم عصابات”داعش” الارهابية او اعتقاله تمكنت القوات الخاصة الأميركية منه أخيراً في شهر تشرين 
الأول 2019. وفقاً لتحليل أجرته وكالة أسوشيتد بريس كانت المهمة تتويجاً لسنوات من العمل الدؤوب والمثابرة على جمع المعلومات، فضلا عن عملية التخطيط العاجلة التي استغرقت 48 ساعة بمجرد ورود معلومات الى واشنطن تفيد بأن البغدادي سوف يكون موجوداً في مجمع مبانٍ يقع في الشمال الغربي من سوريا.
فعلت إدارة أوباما الشيء نفسه عندما قضت على اسامة بن لادن في العام 2011. تلك القدرة على استخدام الوسائل الفعالة التي تتمتع بها أجهزة الاستخبارات والاستطلاع والاستكشاف القوية عندنا، الى جانب قدراتنا التي لا تبارى على الضرب في أي مكان من العالم، ستبقى كفيلة بالمحافظة على أمننا دون حاجة الى تواجد جنود لنا في العراق.
تجاهل ما يحفظ لنا أمننا واصرارنا بدلاً من ذلك على نشر قواتنا العسكرية وتحمل تكاليف باهظة، لن يسفر إلا عن تفاقم فشلنا. لذلك ينبغي على الجيش الأميركي ان يركّز على مهمات استهداف الارهاب والعمليات الجوية التي تمحو أية تهديدات معادية للولايات المتحدة بدلاً من تبديد قدرات الولايات المتحدة في محاولة اصلاح العملية السياسية في بلدان تعاني 
الانهيار.