صعوداً إلى آخر المكاتيب

ثقافة 2019/01/14
...

مهدي النهيري
عندَ موتِكَ لم أتحدَّثْ كثيراً عن الموتِ
لم أتهيّأْ لمعرفتي جَيِّداً حينَ لم أتأكّدْ من الأسَفِ المرِّ يأكلُني
لم أجدْني على ضفّةِ الفقدِ أنحِتُ تمثالَ آلِهةٍ للرثاءِ
وكنتُ انشغلتُ بصمتِكَ، قلتُ أقلّدُهُ فهْوَ آخرُ نصٍّ بخطِّكَ
يُعجبُني أنْ أعينَ النصوصَ على حمْلِهِ
وانغزلتُ أوانَ الترابِ الذي بلَّلَتْهُ خطاكَ
انغزلتُ بتصديقِ أنَي أكذّبُ ما فهرستُهُ المقابرُ
أني أردَّدُ ما أنا أعرفُهُ من كراهيةِ الحبِّ لو بلغَ الآخرةْ
وتحَوَّلَ ذاكَ الجنونُ الجنونيُّ
من جسدٍ كانَ ينضحُ رفضاً وحريةً
ويحقّقُ مخطوطةَ الحَجَرِ الصلْدِ ماءً .. إلى ليس أكثرَ من ذاكرةْ
عندَ موتِكَ من بَعْدِ ليلينِ حدَّثَني قمرٌ ناضجٌ عن غيابِكَ
أولَعَني بأغانيِّهِ عنكَ
لم يتخذْ غيرَ سلسالِكَ العنبيِّ لعنقودِ أحزانِهِ وتراً
ثمَّ غنّى
وأنا أتمنّى
أمدُّ يدَ اللحنِ ألمسُ ذاكَ المغني المُعَنَّى ..
**
كانَ عريانُ أكثرَ من جاهزٍ للمرورِ بحاشيةِ الأرضِ
قصْدَ الوصولِ مباغتةً وعلانيةً ليسَ سِرّاً إلى بابِ جنتِهِ الجاهليةِ
أو قصرِ أسرتِهِ في الخيالِ المُعَدِّ لهُ، والمخيفْ
ربما أنا أعني البلوغَ إلى أخرياتِ البلاغةِ
ذاكَ المَحِلِّ المبالَغِ في جَعْلِهِ كوكباً للغموضِ الشفيفْ
لم يكنْ قطُّ عريانُ منفرداً بالتوجِّسِ لكنّهُ راحَ منفرداً بتحدِّ الملاقاةِ
يحملُ في يدِهِ غربةَ الواثقينَ
وفي صدرِهِ السومريِّ شعوبُ الكوارثِ تضحكُ وهْيَ تُرافقُهُ
لانتهاكِ المسافةِ بالوردِ والسُّخْرياتِ من الطاغيةْ
كانَ عريانَ كلكامشاً لأعالي الزمانِ
وطفلاً لشيخوخةِ المُدُنِ الناجيةْ..
**
كما يتفرَّطُ عِقْدُ الأنوثةِ فوقَ ضلوعِ المُهَدَّدِ بالليلِ
آثَرْتَ أنْ تتمشّى إلى القبرِ
أجملَ من شهْوةٍ وأقلَّ من الشعرِ شيئاً قليلاً
وأغلى على عاشقيكَ من السنواتِ التي عبَّقَتْها قصائدُكُ الخُضْرُ
يا ليّنَ الذكرياتِ وسَجّانَها وسجينَ القلوبْ
أما كنتَ نقرةَ سلمانِهم حينَ تحشدُهمْ في زنازينِ ذوقِكَ وهْيَ حدائقُ
كنتَ تُرَبّي المذاقاتِ حينَ على قدَحٍ من مجازٍ بحضرةِ أحلى الأغاني تذوبْ
حينَ تأخذُ أبسطَ ما في القرى، قمْحَ أحلامِها مثلاً
لتُعلّمَها الفلسفاتِ بغيرِ ثيابِ التعاريفِ
تختارُ من أبعدِ الثائرينَ طرائقَ إيمانِهمْ بالتكثُّرِ
ثمَّ تعطّرُها بنواعي العجائزِ في الناصريةِ
تَختلطُ النخوةُ الأوليةُ إذ تترقرقُ في ظهرِكَ الهاشميِّ التراثيِّ
بالسَّفَرِ الغزليِّ الذي يتنفّسُ قلبَكَ
ثمَّ تُحاولُ لكنْ .. تحاولُ أن لا تتوبْ ..
**
أبداً .. لا ندامةَ أنّكَ تنزلُ من هيبةِ 
(التلِّ)
ليسَ البقاءُ على قمةِ الوجدِ خمسينَ ، أمراً يسيراً
ولكنَّ هذي الثمالةَ ليستْ على قدْرِ أن تستمرَّ
وكنتَ صراحةَ مصباحِها وسلامةَ جسمِ الكنايةِ
يا قبلَ ليلتِها والغروبُ الأخير ..