الموت بين فلسفتين

ثقافة 2019/01/14
...

مآب عامر
صدرت حديثا عن دار الشؤون الثقافية دراسة مقارنة بعنوان "الموت في الفكر الفلسفي" للدكتور غسق حسن الكعبي، جاء الكتاب في (128) صفحة من القطع الكبير، وتناول الكتاب بين طياته الموت لدى مجموعة من ثقافات ومنها "اليونانية، الصوفية، الإسلامية".
ويناقش الباحث عبر فلسفة الموت الحديثة الأساليب العلمية والتجريبية التي كونت قطيعة فلسفة الموت القديمة التي استندت الى اللاهوت، ويقول الباحث: "أصبحت دراسة النفس دراسة في شروط الادراك وبدت مشكلة العلاقة بين النفس والجسم ذات ابعاد طبيعية متحررة من البحث الميتافيزيقي، بل بدأ البحث في الماورائيات-علم ما بعد الموت- ينطلق من أسس أكثر واقعية خصوصا بعد أن بدت الحقيقة أقرب إلى يد الانسان بظهور نزعة الشك واللا أدرية". 
وفي موضوعة الفلسفة الحديثة ركّز المؤلف على نهضة التفكير العلمي، "إذ أحدث قطيعة ثقافية – نوعا ما- مع الفلسفة القديمة القائمة على اللاهوت، وحاول أن يقدم براهينه في موضوعة الموت وعالم ما بعد الموت بأدلة أخلاقية وفلسفية، فالحياة التي يقضيها الانسان في كفاح لا يمكن ان تكون نهايتها مجرد قبر، وبما أنّه ليست هناك بنية تجريبية تفسّر لنا الموت سوى أنّه توقف في أنشطة الجسم مما يستدعي تلفه وتحلله، حاول بعض فلاسفة الفكر الحديث ان ينطلقوا من مسلمات كونية فطرية ترى أن الكون منظم بطبيعته، وتحكمه بعض القيم التي لا بدَّ  للفكر البشري أن يؤمن بها، وذلك يضمن استمرار فعاليات الانسان الأخلاقية والسلوكية التي  لا تتعارض مع مصلحة البشرية وسير الاحداث  اللاعبثي". 
وفي جانب "الفلسفة المعاصرة" التي تمثل مراحل الشك والعدمية في الدراسة، فعبرها يلغى الاهتمام بالفلسفة اللاهوتية والميتافيزيقية، وفي هذا الموضوع يشير الى توجه الفلسفة "التي لم تعد تتخذ من الانسان نقطة انطلاق لفهم الوجود وطرح الأسئلة الكبرى، كون الانسان لم يعد له وجود أو هو على وشك الاختفاء والموت، فالإنسان لم يعد يفهم ضمن إطار من التصورات المثالية وخاصة بعد أن قضت الفلسفة على البحث في المتعالي وصار من المحتمل القضاء على الانسان أيضا، وصار الانسان لا يصادف بعد موت الإله إلّا الفراغ وصوت العدم". 
وفي الختام يذكر المؤلف أهمية الموت في الفكر الفلسفي، إذ تمّ ربطه بمبحث الوجود والمعاد وعلاقة النفس بالجسم، واستطاعت الفلسفة تحرير الموت من الفكر الأسطوري بدءاً بفلاسفة الطبيعة الذين فهموه كتغير ضروري وعودة للأصول الأولى بتفكيك العلة الأولى مصدر الحياة". 
وفي غلاف الكتاب ذكرت لجنة التأليف والترجمة والنشر في كلمتها "أن الفلسفة عمدت منذ بوكيرها إلى تحديد مهماتها بالبحث عن القيم الجوهرية عبر أسئلة وفرضيات مختبئة وراء الإنسان واعتقادات مختلفة حول أصل الكون وجوهره وفكرة وجود الانسان والإرادة الحرة والبحث في ماهية الهدف، وفي هذه السلسلة – فلسفات - تُقدَّمُ نصوصٌ فلسفية تأسيسية ومتون نظرية عبر مقاربات حديثة أو قديمة تارة، أو مزيجا من كليهما تارة أخرى".