علي الشباني وحدة الشاعر وأقنعة الآخرين

ثقافة شعبية 2020/10/24
...

علي حسن الفواز
للقصيدة الشعبية  ذاكرةٌ حرةٌ وطريَّة، إذ تستعير من الحياة، ومن يوميات الانسان كثيرا من اشتغالاتها وصورها واستعاراتها، وهذا ما يجعلها أكثر توهجا، وتعبيرا عن حميميته وهو يعشق ويحلم ويثور ويتمرد وينكسر، إذ تتحول تلك الأفعال الى علامات، والى اشتباكات لا يجيدها سوى الشاعر، الذي يدرك لعبة الشعر من جهة، وقدرة القصيدة على امتلاك طاقة التجلّي والتحوّل.
علي الشباني من أكثر شعرائنا وعيا بهوية القصيدة الشعبية، مثلما هو المهموم بصياغة صورها، وبتركيبها اللغوي/ البنائي، على مستوى الوظيفة، والخطاب، أو على مستوى القيمة التي تكتنز بشغف التمرد، وتعرية اللغة من رماد التكرار، والصور المكررة، فهو الشاعر الحسي واليومي، فضلا عن كونه الشاعر الثوري والجمالي، فضلا عن كونه الشاعر الأكثر تماهيا مع المكان/ الماء، والمكان/ الجنوب، والمكان/ الحب والذاكرة، وهذا ما يسبغ على قصيدته توصيفات ليست بعيدة عن أثر الرواد فيها، وطبيعة أثر الشعراء الرومانس بشكل عام.
الشاعر والوجع واللذة
استعادة الغائب، قد تكون واحدة من اهم شواغل الشاعر إثارة، فهي استعادة مركبة للذة والوجع وللذات، حيث يتبدى النبر الشعري مشحونا طليقا، تشوبه مسحة حزن عميقة، لها شفرتها الايحائية، والتي يمتزج فيها الفقد مع الامل، حيث فقد الحبيبة والوطن، مقابل الأمل باستعادتهما من خلال اللغة، بوصفها المجال الاستعاري الأكبر، والفضاء الرؤيوي الذي يتيح للشاعر أفقا للتأمل، وحساسية إزاء العالم، والمعنى والأفكار والجسد والرغبة، وهي منصّات غامرة بالغموض، والسحر، إذ لا مناص للشاعر من أنْ يكون أكثر قلقا وحذرا في التعاطي مع دلالاتها، ومع إحالاتها النفسية والسياسية والعاطفية، والتي عاش الشاعر انكساراتها كثيرا في سنواته الاخيرة، ليجد نفسه موجوعا، وحيدا أمام أقنعة الآخرين،  وأمام لغة عصية، لم تسعفه في الخلاص، ولا في مواجهة عالم ضاج بالرعب والخوف والهزائم الكبرى.