ما الذي تعنيه الانتخابات الأميركية للشرق الأوسط؟

بانوراما 2020/10/24
...

 إيشان ثرور/عن صحيفة واشنطن بوست  
 ترجمة واعداد: أنيس الصفار   
أي إنسان عادي يعيش في منطقة من مناطق الأزمات في الشرق الأوسط لن يعنيه إن كان الرئيس ترامب هو الذي سيكون متربعاً في البيت الأبيض في السنة المقبلة ام منافسه الديمقراطي "جو بايدن" نائب الرئيس السابق. فإدارة ترامب، ومثلها تلك التي كان بايدن يخدم فيها، قد شهدتا كيف تتعقد صراعات هذه المنطقة وتتشابك مع بعضها، لذلك كانتا تواقتين للعثور على مخرج، ولكن اي منهما لم تفلح بعد، بدلاً من ذلك أخذت الغارات الجوية الأميركية تشتد حدة، وبقيت القوات الأميركية منتشرة في عدد من الدول لأن واشنطن،
 رغم كل ادعاءاتها المعلنة حول رغبتها في التحرر من تشابكات الشرق الأوسط، يشق عليها أن ترحل تاركة كل شيء 
وراءها.
لكن بايدن وترامب يمثلان مستقبلين مختلفين كلياً في نظر بعض النخب السياسية في المنطقة، لاسيما القيادات في اسرائيل وبعض الانظمة الملكية العربية الغنية بالنفط، هذه النخب هللت لترامب وهو يقلب أبرز منجزات سلفه "باراك أوباما" في المنطقة رأساً على عقب، وذلك عندما أوقف المشاركة الأميركية في صفقة إيران النووية وأعاد فرض العقوبات وأحيا حملة "الضغط الاقصى" على حكومة طهران لينطلق بعد ذلك في مسار جديد بالنسبة لعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين يمنح الأفضلية كاملة لليمين الاسرائيلي، رغم الغضب العارم الذي جوبهت به هذه المساعي من قبل الفلسطينيين فإنها لم تلق من معظم الزعماء العرب الاخرين سوى احتجاجات 
مكتومة.
إذا ما حقق الديمقراطيون نصراً في تشرين الثاني المقبل، فإن ذلك سيمثل انقلاباً دراماتيكياً على كلتا الجبهتين، لأن إدارة بايدن سوف تسعى الى رتق الضرر الذي الحقه ترامب بالصفقة النووية وتهدئة التوترات مع إيران، هذه الإدارة سوف تكبس على الفرامل ايضاً في ما يتعلق بالاحتضان الأميركي العميق لرئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتانياهو" والربت على كتف ولي العهد السعودي ذي النفوذ محمد بن 
سلمان.
 
ترامب والشرق الأوسط
يزعم الرئيس وحلفاؤه ان منجزات ادارته في الشرق الأوسط خلال سنوات فاق ما حققه السابقون على مدى عقود. يتضمن هذا "اتفاق ابراهام"، الذي انتهى بتطبيع العلاقات بين دولة الإمارات والبحرين من جانب واسرائيل من جانب في حفل اقيم في البيت الأبيض. من غير الواضح بعد إن كانت بلدانا عربية أخرى ستحذو حذو هاتين المملكتين الصغيرتين اللتين لم تكونا يوماً في حالة حرب مع الدولة اليهودية، إلا أن هذا الفتح الدبلوماسي يؤكد وجود واقع يتغير في الشرق الأوسط، لأن قوى عربية أخرى قد ترى أن من صالحها الالتقاء مع اسرائيل على هدف مشترك هو مواجهة عناد إيران وكيفية التعامل مع الولايات المتحدة التي تزداد نأياً ولامبالاة.
في استطلاع حديث للرأي أعلنت أغلبية الاسرائيليين انها تفضل وجود ترامب في البيت الأبيض لا بايدن، وهذه ليست مفاجأة لأن ترامب قدم الى نتانياهو باقة من الهدايا السياسية من بينها الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على مدينة القدس وهضبة الجولان دون استحصال اية تنازلات مقابلة لصالح الفلسطينيين الذين لا يزالون يعيشون السخط والغضب تحت ظل الاحتلال العسكري. ما اطلق عليها اسم "خطة السلام" وكثر الترويج لها، والتي يرفضها الفلسطينيون جملة وتفصيلاً، قد تمهد الارضية امام اسرائيل لضم اجزاء اخرى من الضفة الغربية، لكن نتانياهو يواجه في الداخل معارك قضائية وسياسية حامية، بل يعتقد بعض الخبراء الاسرائيليين ان شراكة ترامب الوثيقة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي قد لا تكون في صالح اسرائيل 
بالفعل.
في مقابلة عبر برنامج "وورلد فيو" قال "نمرود نوفيك"، مستشار الرئيس الاسرائيلي السابق "شمعون بيريز"، أن الأمور قد تبدو حسنة في الظاهر، بسبب فتح سفارة أميركية في القدس وابرام معاهدات سلام مع دول لم تكن اسرائيل في حالة حرب معها، أما من حيث المحتوى، أي بخصوص التحديين الخارجيين الحقيقيين المتمثلين بإنهاء الصراع مع الفلسطينيين وكبح تطلعات إيران النووية والاقليمية، فإن وضع اسرائيل اليوم اسوأ كثيراً.
لقد آذت إدارة ترامب الاقتصاد الإيراني بعقوباتها، ولكن سياسة الضغط الاقصى فشلت في ردع إيران عن تحركاتها في المنطقة، وهو ما زعم ترامب انه سيفعله، كما اضعفت الاحتياطات الوقائية التي فرضتها إدارة أوباما للحيلولة دون حصول إيران على قنبلة نووية. لقد دأب المسؤولون الإيرانيون على السخرية من فكرة التفاوض مع ادارة ترامب، وجميع الدلائل تشير الى ان الانتخابات الإيرانية في العام المقبل سوف تعزز موقف
 المتشددين.
 
بايدن والشرق الأوسط
من خلال التصريحات والخطب يدعي المسؤولون الإيرانيون أنهم لا يعنيهم من سيكون الفائز في الانتخابات المقبلة لأن عداء الولايات المتحدة لأمتهم عميق الجذور ولن يحدث تغير حقيقي في السياسة الثابتة للولايات المتحدة المتمثلة بالحاق أمضى الضرر بالأمة الإيرانية، سواء كان الرئيس المنتخب هو ترامب ام بايدن، على حد قول رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف.
بيد ان هذا القول لا ينسجم مع ما تقر به إيران داخلياً، وهو ان ادارة بايدن سوف تسعى لإحياء الصفقة النووية، ولكي تفعل هذا لابد لها من رفع ولو جوانب من العقوبات الخانقة المفروضة حالياً على الاقتصاد الإيراني. يعتقد محللون في مجال النفط ان إيران لن تلبث أن تباشر تصدير ما يصل الى مليوني برميل يومياً إذا ما حل بايدن محل
 ترامب.
سبق لبايدن، الذي يحظى بقدر كبير من دعم متخصصي السياسة الخارجية الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن، أنه سوف يعرض على إيران "مساراً دبلوماسياً صادقاً"، على حد تعبيره. لذا يرجح له ان يحصل على دعم أكبر من الحلفاء الأوروبيين الذين قضوا السنوات القليلة الماضية في محاولات مستميتة لإبطاء زخم كرة الهدم الترامبية على المسرح العالمي.
تعهد بايدن، رغم ترحيبه بالاشارات المتبادلة بين الامارات العربية واسرائيل، بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، كما يبدو مستعداً لإعطاء المعلومات الاستخبارية التي تربط ولي العهد محمد بن سلمان بمقتل المنشق السعودي جمال خاشقجي وزناً أكبر. يقول بايدن ايضاً أنه لن يتجاهل نداءات الكونغرس الداعية لإنهاء المساعدات الأميركية للجهد الحربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
كذلك يدعي الخبراء ان رئاسة بايدن سوف تعود الى اثارة موضوع حقوق الفلسطينيين اكثر من اية إدارة سابقة في محاولة لإعادة الحياة الى منظور الدولتين المحتضر.
يقول نوفيك: "إذا ما عكست ادارة بايدن المسار على هاتين الجبهتين، إصلاح العلاقات مع الفلسطينيين وإعادة التواصل مع إيران، بالتشاور الوثيق مع اسرائيل وبقية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فربما سنجد انفسنا في شرق أوسط افضل استقراراً".