السادس الاعدادي.. نجاحٌ غير مسبوق ومعدلاتٌ صادمةٌ

ريبورتاج 2020/10/25
...

  فجر محمد
 
فرحة ممزوجة بدموع وزغاريد تعالت في أرجاء المنزل، فور ظهور نتائج السادس الاعدادي، السعادة الكبيرة التي غمرت الكثيرين من الطلبة، ومنهم زينب يوسف وهي تقرأ الدرجات التي حصلت عليها ومعدلها الذي تجاوز الـ 97، عكرت صفوها الصدمة التي جاءت في ما بعد، عندما تبين أن المعدلات تجاوزت المعقول، فأي كلية طبية ستقبلها مع وجود مئات، بل آلاف الاوائل، ويقول والد زينب:"في اللحظة التي شعرت فيها بأن تعب ابنتي وسهرها لم يذهبا سدى، صعقت بالدرجات النهائية والمعدلات التي احرزها اقرانها، وحلمي بأن تكون زينب ضمن المجموعة الطبية، بدأ يتبخر مع هذا الكم الهائل من الطلبة الاوائل والمعدلات الخيالية".

إحصائيات
أظهرت الاحصائيات والتقارير أن عدد الطلبة الاوائل في هذا العام فاق التوقعات، اذ وصل الى أكثر من 600 طالب، ومن حاز معدل 99 بالمئة فما فوق هم 5 آلاف طالب، كما حصل أكثر من 8 آلاف طالب على معدلات 98، في حين ان عدد الاوائل في الاعوام المنصرمة لم يتجاوز العشرات.
وفي تصريح له بين المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيدر العبودي أن" الوزارة تراقب بدقة مؤشرات المخرجات الحالية للدراسة الاعدادية، وأعداد الطلبة الذين نجحوا والمعدلات العالية التي رافقت ذلك حقيقية وغير مسبوقة، لذا اقتضى ترتيب معايير القبول ومراجعة الطاقة الاستيعابية للكليات والاقسام، التي تتوزع بين 35 جامعة".
 ويرى العبودي أن "آلية التعليم عبر المنصات الالكترونية المتبعة، قد رفعت من الطاقة الاستيعابية للجامعات، فضلا عن زيادة مساحات الحضور التفاعلي، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في قبول الطلبة".
 
اختبار
هناك دعوات من قبل المختصين بالشأن التربوي والتعليمي الى أن يكون هناك اختبار كفاءة للطلبة المقبلين على الجامعات، خصوصا الطبية، فالعدد الهائل للطلبة الأوائل سيجعل من الصعب استيعابهم بشكل كامل، لذلك لا بدّ من أن يكون هناك تأنٍ واهتمام ٌكبير من قبل الاساتذة وذوي الاختصاص أثناء قبولهم للطالب.
جيوش العاطلين
عانت البلاد وما زالت من البطالة الناجمة عن اسباب متعددة، ومن بينها اعداد الخريجين المتزايدة، ففي كل عام تخرج الكليات مئات الطلبة من التخصصات المختلفة، ولكن غياب فرص العمل ينذر بمخاطر كبيرة، ومنها جيوش من العاطلين مستقبلا، ابدى الاكاديمي والباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور فالح الزبيدي تخوفه من خطورة الموقف، التي ستؤثر في حملة الشهادات العليا يليهم الاولية، ومع وجود النمو السكاني المرتفع كل هذه الامور تنعكس سلباً على الاقتصاد ودخل الفرد.
 
مؤشرات
الزبيدي تحدث عن انخفاض مؤشر التنمية الذي اوجدته الامم المتحدة لقياس مدى رفاهية الشعوب، وهو يتعلق بقياس متوسط العمر المتوقع للمواطن ومستوى التعليم والأمية والمستوى المعيشي في مختلف أنحاء العالم، ومن وجهة نظره فإن من الواجب اعادة تشغيل المصانع والمعامل، وتفعيل القطاع الخاص كي لا يكون الاعتماد على العام فقط، الذي يواجه أزمة هو الآخر بسبب زيادة عدد الموظفين.
 
أحلامٌ مؤجلةٌ
منذ الصغر وحلم زينب بأن تكون طبيبة او صيدلانية وتقدم خدمة لمجتمعها، كان يرافقها ليقترن في ما بعد بجهد وتعب ومتابعة مستمرة، وبصوت تخنقه العبرات تحدث والدها عن أن ابنته التي لم تشبه أقرانها، اذ كانت مولعة بالدراسة، ولم تشعر بالملل يوماً من كثرة القراءة والمتابعة، لأنها كانت تحلم بالأفضل، فهي أحبت مهنة الطب منذ الطفولة، وما شجعها أكثر تفوقها المستمر على أقرانها، ولم يكن حلمها هي وحدها، بل كانت رغبة افراد الأسرة".
 
تقبل
في فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات كانت القبولات الجامعية محددة، ولكن مع دخول التطور التقني والتكنولوجي حدث الكثير من التغييرات، فلم تعد المجموعة الطبية او الهندسية نهاية المطاف بالنسبة للطالب، هذا ما بينه الاكاديمي والباحث بالشؤون الاجتماعية ولي الخفاجي متابعاً قوله:"إنَّ اتجاهات الطلاب الدراسية اختلفت بشكل واضح، فلم تعد مهنة الطب او الهندسة او المحاماة هي ما يطمح اليه الطالب وذووه، بل دخلت تخصصات تنافسها اليوم وتلبي العرض والطلب في سوق العمل مستقبلا".
 
دولاران باليوم
إنَّ زيادة أعداد الخريجين وغياب فرص العمل، سواء بالقطاع العام او الخاص، يؤديان الى تزايد نسبة الفقر، ويشير الدكتور فالح الزبيدي الى "أنَّ هناك تزايدا واضحا في النسبة، اذ وصلت الى اكثر من 30 %، اي ان دخل الفرد الواحد لا يزيد عن دولارين باليوم".
وبحسب الدراسات فإنه من الملاحظ أن هناك تراجعا واضحا في مؤشرات التنمية في العراق مقارنة بالدول المتقدمة، اذ إنَّ جميع أفراد الأسرة من البالغين من حقهم الحصول على فرصة عمل، لإعالة انفسهم وذويهم في حين أصبحت البطالة في البلاد شبحا يلاحق الشباب.
 
تثقيف
الدكتور ولي الخفاجي يجد أنَّ على الطالب وذويه أن يفهموا أنَّ هناك تغيرات دخلت على الواقع الدراسي، واختلف عما كان عليه في الماضي، اذ ظهرت تخصصات جديدة ولافتة للنظر وذات مستقبل ناجح، وهو يحمّلُ وسائلَ الاعلام مهمة التثقيف بهذا الجانب.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أحد أسباب هذه المعدلات التي فاقت التوقعات هو تقليص المناهج الدراسية، فضلا عن الفترة الطويلة التي قضاها الطلاب في الدراسة، ما جعلهم مهيئين لأداء الامتحانات بكفاءة كبيرة.
 
اختلاف
عدد من أولياء الأمور لم يعد يهمهم أن يحصل ابناؤهم على معدلات تؤهلهم لدخول الكليات الطبية، بل أصبح طموحهم أن يدرس الابن التخصص الذي يرغب به، ولو اختلف عن اقرانه، ففي الكثير من الاحيان الاختلاف يؤدي الى التميز، هذا ما تراه زهور كريم وهي أم لثلاثة اولاد يدرسون تخصصات مختلفة، وتقول:"هناك الكثير ممن درس تخصصات كالفنون والاقتصاد وبرز فيها وابدع، فليس بالضرورة أن يكون الفرد طبيبا او مهندسا كي يتميز، لأن هناك مهنا متعددة بإمكان الشخص أن ينجح فيها ويتفرد عن اقرانه".
 
مهارات
أصبحت سوق العمل تعطي تفضيلات لتخصصات دراسية معينة في الأعوام الأخيرة، ما دفع الطالب الى تفضيل المجموعات الطبيَّة بفروعها المختلفة، ما قلل من فرص المجالات الدراسية الاخرى، وفي الوقت نفسه يقع اللوم على الأسرة، التي تغذي هذا الشعور لدى الطالب.
تحث الاكاديمية والباحثة بالشؤون النفسيَّة الدكتورة ندى العابدي الوالدين على اكتشاف مهارة الطفل والذكاء، اللذين يتمتع بهما منذ الصغر، خصوصا ان الدراسات العلمية أثبتت انه لا يوجد طفل غبي، بل هو مبدع في جانب معين، ومن الدول التي كرست لهذا المفهوم فنلندا، التي تعد الأولى عالميا في الدراسة الابتدائية، لأنها تهتم بالطالب وتنمي مهاراته المكتشفة وتعمل على تطويرها.
 
إحباط
وتروي العابدي قصصاً عن الكثير من الطلبة، الذي رافقهم الاحباط عندما لم يلتحقوا بجامعات ترضي طموحهم وذويهم، ولذلك لم يتقدموا خطوة واحدة الى الامام، لأنهم رغبوا بمجال معين منذ طفولتهم ولم يحصلوا عليه مستقبلا.
في حين من الأصح أن يتعلم الاولاد أن يحبوا ما يعملونه، لا أن يعملوا ما يحبونه، فهذا سيكون سر نجاحهم وتطورهم وتقدمهم، ولا بدّ من أن يؤمن الطالب بأن المجتمع لا يحتاج الى الطبيب فقط، بل هو بأمس الحاجة الى المعلم والمهندس والقانوني.