الفائزة على ترمب وبايدن

الصفحة الاخيرة 2020/10/25
...

عبدالهادي مهودر
 
يمكن القول إن أفضل الحوارات التلفزيونية، هي التي ينجح فيها الإعلامي بتحقيقه هدفه المهني وحضوره القوي، وليس تحقيق الضيف لأهدافه على حساب الإعلامي، وأسوأ  الحوارات هي تلك التي يختفي فيها عقل المحاور ودوره، وتضعف قدرته على توجيه الحوار وضبط الوقت، ويلمس فيها المشاهد ضياعا أو تضييع فرص لأسئلة مهمة أو مقاطعة في غير أوانها، وفي لحظة استرسال المسؤول في الكشف عن معلومات وقصص غير معروفة، أو حين يتغاضى ويتساهل لإعتبارات كثيرة. 
 والحوارات أشكال منها الهادئ في الظرف الهادئ ومنها الجدي والندي والساخن، ومنها الودي والوردي والمتفق عليه، ومنها الحوارات المصطنعة التي يدير فيها الضيف وهو صاحب الدار المحاور وليس العكس، مثل الحوار الذي يجريه الإعلامي مع مالك القناة وولي الأمر، إذ لا يمكن أن تصدق حتى الأسئلة التي تبدو قوية ومفاجئة ومحرجة، يحصل ذلك في وسائل الإعلام غير الحرة المملوكة لأشخاص أوجهات سياسية، فضغوط الملكية حاكمة لا يمكن نكرانها، لكن الإعلاميين المحترفين يقاومونها ويبذلون جهودا مضنية في سبيل التحرر منها، لإثبات استقلاليتهم ووجودهم والدفاع عن سمعتهم المهنية، غير أن محاولاتهم تكلفهم الكثير على الصعيدين الشخصي والمهني في هذا الصراع المستتر، وسعيدٌ من يحظى بأجواءٍ حرة تمكنه من تحقيق ذاته والفوز في كل حوار، حتى لو كان فيه نداً لرئيسين مثل دونالد ترمب و جو بايدن، كما حصل في المناظرة الأخيرة بينهما قبل انتخابات 2020، والتي تمخضت حسب المراقبين عن فائز واحد هو مديرة المناظرة (كريستن ويلكر)، التي وصف أداؤها بالمتميز، وهي مراسلة لشبكة( سي ان ان) في البيت الابيض ومساعدة مقدم برنامج في الشبكة ذاتها، فقد جاءت مناظرتها بعد المناظرة الأولى التي وصفت "بأسوأ مناظرة بالتاريخ " إلى درجة أن (كريس والاس مذيع قناة فوكس نيوز) قال إنه يشعر بالغيرة منها وتمنى لو إنه تمكّن من إدارة المناظرة بالطريقتها نفسها.
في المناظرة الأولى أفلت الزمام من يد(كريس والاس ) فظهرت عبارات "هلا تخرس يا رجل" قالها بايدن لترمب واضاف عليها " كذّاب ومهرّج" بينما رد ترمب بأنها "خالية من الذكاء وانك دمية " والرجلان اللذان يبلغان من العمر (74 و 77 ) لم يبقيا للمراهقين شيئا في مهرجان للشتيمة، تداولت بعده وسائل الاعلام والمراقبين هذه العبارات النابية، لكنها لم تذكر المحاور بخير وتعرض لنقدٍ لاذع، فيما حظيت المراسلة ويلكر بسيل من الاعجاب والثناء و ١٢٥ ألف تغريدة، وحين تقاربت نتائج المناظرة بين الرئيسين اعتبرت المذيعة، لقوة حضورها،هي الفائزة وليس ترمب ولا بايدن! 
ربما تعلمت ويلكر( 44 سنة) من المحاور  ولاس ( 72 سنة) الصحفي وابن الصحفي، الذي خرج بمناظرة أكثر إثارة، فحتى أخطاء رواد الصحافة في كل مكان مفيدة، وليس عيبا التعلم من أخطاء الآخرين، ولكن العيب بارتكاب الأخطاء نفسها.