متحف السليمانية .. حضارات تحكي قصص العراق

ريبورتاج 2020/10/25
...

   السليمانية : عذراء جمعة
 
عندما تبادر الى ذهني اجراء تحقيق صحفي عن متحف السليمانية، اول شيء خطر في مخيلتي الحصول على الموافقة، اذ عندما اجريت تحقيقاً صحفياً عن المتحف الوطني في بغداد عام 2010، استغرق اخذ الموافقة عدة ايام ، ولكن الحال هنا مختلف، اذ اتصلت بمدير دائرة آثار السليمانية من اجل الحصول على الموافقة، فأجابني تفضلي غداً وسنسمح لك بالدخول وفعلا في اليوم التالي ذهبت، واذا باتصال هاتفي لمدير المتحف سمح لي المباشرة باجراء عملي. 
عندما تبادر الى ذهني اجراء تحقيق صحفي عن متحف السليمانية، اول شيء خطر في مخيلتي الحصول على الموافقة، اذ عندما اجريت تحقيقاً صحفياً عن المتحف الوطني في بغداد عام 2010، استغرق اخذ الموافقة عدة ايام ، ولكن الحال هنا مختلف، اذ اتصلت بمدير دائرة آثار السليمانية من اجل الحصول على الموافقة، فأجابني تفضلي غداً وسنسمح لك بالدخول وفعلا في اليوم التالي ذهبت، واذا باتصال هاتفي لمدير المتحف سمح لي المباشرة باجراء عملي. 

متحف الطفل
عند دخولي الى متحف السليمانية اذهلني متحف الطفل الذي هو عبارة عن غرفتين، يبتدأ بهما لجذب الفئة الاصغر عمراً، وهم تلاميذ المرحلة الابتدائية، وذلك لاستيعاب فكرة ما هي الآثار والمواد التي تتكون منها؟ اذ تحتوي الغرفة الاولى على مقاعد لجلوس الاطفال على شكل والوان الصخور مصنوعة من القماش، فضلاً عن وجود حوض كبير مملوء برمل اصطناعي، وفيه الادوات التي تستخدم في عمليات التنقيب، وبعض من الآثار وكلها مصنوعة من مواد لا تؤذي بشرة الاطفال، ويسمح لهم باللعب بها عند دخولهم، ليكتشفوا بأنفسهم القطع الموضوعة التي تشير الى الآثار، علاوة على وجود شاشة تلفزيونية ليرسم عليها الاطفال ما لمسوه بأيديهم، وكذلك اوراق واقلام للرسم، ومن خلال الخطة الموضوعة من المتحف، فلو تمكنوا من كسب تلميذ واحد من اصل 100، يعد انجازاً لايصال الفكرة المطلوبة، اما الغرفة الثانية فهي عبارة عن عدد من الحقائب التي تحتوي كل منها على مجموعة من الادوات، التي تم استخدامها سابقاً في العصور القديمة، سواء ادوات الطعام او الزراعة والحراثة وغيرها، والهدف منها ارسالها الى المدارس البعيدة والتي لا يتمكن طلابها من المجيء الى المتحف، ويتولى استاذ التاريخ شرح موادها للطلبة، لتكون اكثر وضوحاً واستيعاباً للطلبة في معرفة مراحل التاريخ، الا انها لم تطبق بسبب جائحة "كورونا" واغلاق المدارس.
 
الأول في الاقليم
ويقول مدير دائرة آثار السليمانية كمال رشيد رحيم، "ان متحف السليمانية تأسس عام 1961 في احد البيوت في منطقة العقاري، بعدها تم تجهيز بناية خاصة له في عام 1979 في شارع سالم مركز المحافظة، وهو يحتوي على حضارة العراق من العصور الحجرية الى الاسلامية وصولا الى الدولة العثمانية المتأخرة، وهو بذلك يمثل حضارة وادي الرافدين".
منوهاً بأنه "يعد ثاني اكبر متحف في البلاد بعد المتحف الوطني في بغداد، والاول في اقليم كردستان، لما يحتويه من قطع ثمينة ونادرة، اذ لم يفقد اي قطعة منذ تأسيسه والى الان، وهو يعد قسماً من اقسام دائرة الآثار، وجميع القطع المعروضة فيه هي قطع اصلية، وفيه ملاك متميز من آثاريين ومهندسين وبقية الاقسام الاخرى".
 
تغيير العرض المتحفي
ويرى مدير متحف السليمانية هاشم حمة عبدالله، "ان اسلوب العرض موحد في عموم العراق، وهذا التقليد كان فقط للنخبة من المهتمين بالآثار والتراث العراقي".
مضيفاً "من اجل ايصال الفكرة وترغيبها للناس، بدأنا باقامة بعض المناسبات، سواء كانت تكريماً او احتفالاً في المتحف".
مؤكداً "وفقاً للامكانيات المتوفرة، نحاول أن نغير اسلوب العرض المتحفي المتمثل بالتسلسل الزمني، فاصبح عندنا قاعة لعصور ما قبل التاريخ، واخرى تحكي قصة الكتابة في العراق، وبسبب الوضع الاقتصادي في العراق عموماً وكردستان خصوصاً تمت الاستعانة بالدول التي تقدم المساعدة للعراق في مجال الآثار".
 
قسم المختبر
ومن اجل الخروج من فكرة عمل الآثاري فقط في المتحف، يعمل ايضاً الفنان التشكيلي الذي يقوم باصلاح القطع المتضررة، لما يمتلكه من خبرة فنية، لان القسم يحتاج الى ادوات معينة لترميم القطع المتضررة من اجل المحافظة على القيمة التاريخية والآثارية  لها، اذ اوضح مسؤول المختبر اكان عمر احمد وهو فنان تشكيلي ايضاً "ان عمل قسم المختبر هو لمعالجة القطع الاثرية واعادة ترميمها والحفاظ عليها، اذ ندخل بالخامات التي يتكون منها العمل، اذ كل قطعة يختلف التعامل معها عن الاخرى سواء كانت زجاجاً او معادن او حجراً او عاجاً،  وفيها مواد عضوية اوغير عضوية".
منوهاً  "بانها قبل أن تكون حرفة، هي علم  تدخل فيه الكيمياء والفيزياء، والاسبقية في العمل هي الحفاظ على القيمة التاريخية، وتتم الاستعانة بالمواد المحلية، واذا لم تتوفر يتم الاعتماد على استيرادها من الخارج، لان بعض القطع تحتاج الى مواد خاصة لمعالجتها". 
 
آلاف القطع
واضاف هاشم " في السبعينيات كان المتحف العراقي هو من يوزع القطع الاثرية على جميع المتاحف في البلاد، ولهذا متحف السليمانية غني بآلاف القطع، لذا توجد  قاعات فيها خليط من العصر الحجري والاسلامي، والتركيز على الكتابة، اذ تجد اغلب القطع فيها نقوش اوعلامات".
مشيراً الى أن "كل ما حدث في المتحف من عرض او تغير في التصاميم، هو بالتعاون مع الفرق الايطالية".
منبهاً الى أن "تمثال البيبلي كان فيه نوع من الفطريات، التي بدأت تأكل الحجر، فعمل الايطاليون على وضع مادة مشابهة للجص للتخلص من هذه المادة، وهي عملية صعبة واحتاجت الى الكثير من الامكانيات، ولولا مساعدتهم لما تمكنا من الوصول الى هذا الانجاز وهو بالتالي مكسب لهم".
ولفت مدير المتحف الى وجود فكرة من اجل تغيير تصميم احدى القاعات نظرا للزخم الحاصل في العرض اذ كل ستاند يحتوي على العديد من القطع واحيانا بعض القطع تحتاج الى الانفراد لقيمتها واهميتها وابراز عمقها التأريخي وشكلها الاثري، فضلاً عن أن العرض بهذه الطريقة يسمح بدخول الغبار الى القطع ، بالاضافة الى ان النظر اليها بهذه الحالة مزعج للشخص المتوسط الطول لعدم التمكن من رؤيتها بشكل مريح،مؤكداً أن اغلب الآثار من مخازن المتحفين العراقي والموصلي، اذ كانت التوصيات سابقا مركزية حتى عام 1991، وبعدها صدر قرار مركزي بأخذ الآثار من جميع المحافظات الا أن متحف السليمانية لم تؤخذ منه اي قطعة بسبب الانفصال وكانت اغلب آثاره في المخازن واهالي المحافظة هم من حموها وبعض المتطوعين الى أن تشكلت حكومة اقليم كردستان.
 
تهريب
وبين عبدالله "تمكنا من وضع خطة رئيسة للمتحف، تحتوي على دراسة دقيقة عن القطع الاثرية الموجودة فيه من خلال التعاون مع خبراء من منظمة "اليونسكو" ولمدة سنة كاملة ،والاستفادة من خبراتهم".
موضحاً  "تربطنا مع المتحف العراقي علاقة وثيقة، اذ عندما تعرض المتحف للسرقة  في 2003، توجهنا الى المتحف في 22 نيسان لمعرفة احتياجات اهلنا وزملائنا فيه، وبتوجيه آنذاك من مام جلال وزوجته". ويردف " ان الزملاء في المتحف حددوا لنا احتياجاتهم وتمت تلبيتها بكل رحابة صدر، اضافة الى اننا منعنا تهريب 100 قطعة اثرية، كانت جماعة خارجة عن القانون تروم تهريبها خارج العراق عن طريق السليمانية، ومن خلال التعاون بين شرطة المحافظة وبيننا، اتصلنا بالزملاء في المتحف العراقي للتأكد من حقيقة القطع الاثرية، وتم ارجاعها الى بغداد بكتاب رسمي، بالاضافة الى ذلك تمكنا من الحصول على مبالغ من حكومة الاقليم لشراء القطع الاثرية من مهربي الآثار، وارجاعها الى المتحف العراقي".
 
قاعدة البيانات
قسم التصوير في متحف السليمانية واحد من اصل 10 استوديوهات تم نصبها في عدد من متاحف البلاد، من اجل عمل أرشفة للآثار العراقية وتوحيدها بقاعدة بيانات لجميع المتاحف من خلال اخضاع المشاركين الى دورتين تدريبيتين في العاصمة الاردنية عمان.
الآثاري والمصورهيمن نوري فتاح تم اختياره من متحف السليمانية وهو خير من اجاد المهمة التي اوكلت اليه، ولهذا تم اختيار فريق متحف السليمانية  الافضل على مستوى العراق، اذ يقول "ان القطعة الاثرية تؤخذ من المخزن، وتضاف لها الانارة المناسبة وجميع الادوات المستخدمة في عملية التصوير تتميز بالدقة، ويتم تصوير القطعة من الجهتين الامامية والخلفية".
مشيراً الى أن "الخبرة في هذا العمل مهمة جداً حتى يتمكن المصور من معرفة وجه الكتابة، ويوجد لدينا جدول من اجل تصوير جميع القطع واخضاعها الى قاعدة البيانات، من خلال ترقيمها بالرقم الموحد، فضلا عن احتياج القطع اثناء التصوير الى حرارة معينة، واضاءة مناسبة لتظهر بشكل مشابه الى الاصل بنسبة مئة بالمئة، اذ يتمكن يومياً من تصوير ما معدله من 70 الى 90 قطعة يومياً".
 
قطع جبسيَّة
واضاف عبدالله " لاول مرة بالعراق يتم استخدام القطع الجبسية التي تكون مشابهة للاصل ووضعت في متحف السليمانية، حتى لا تنقل من مكانها الاصلي، مثل منحوتة قسقاباني الموجودة على طريق سد دوكان في منطقة سوباش، والتي هي عبارة عن شخصين واقفين ويعودان الى الفترة الميدية، وهما في اشارة الى حالة سلام، لان سلاحهما في الارض او الى حدوث اتفاقية سلام، وهذه كلها تكهنات، لانه الى الآن لا نعرف كل التفاصيل الدقيقة عنها او نصاً يثبت الحقائق".
منوهاً بأن "المنحوتة نفسها تم اختيارها لتكون على العملة الورقية العراقية تمثيلاً لآثار محافظة السليمانية".