أفريقيا تستثمر دورات المياه العامة

بانوراما 2020/10/27
...

نيك دول
ترجمة: بهاء سلمان
قامت إستير مونيفا، مالكة أرض في مستوطنة موكورا غير الرسمية، بتركيب أول منظومة دورة مياه من نوع “الحياة الجديدة” سنة 2012، تقول استير: “قبل الحياة الجديدة، كان حيّنا السكني بائسا للغاية، فالأكياس البلاستيكية للنفيات البشرية كانت متناثرة فوق أسطح المساكن والحفر والممرات، متسببة روائح نتنة في الأجواء، تأثرت معها طبيعة مياه الأنهر”.
أما الآن فهناك برامج معالجة وتحويل للمخلفات الى أسمدة بايولوجية تقوم بها شركة مشرفة على عمليات ادارة وتصريف مخلفات دورة المياه، ولدى استير حاليا أربعة مباني دورة مياه توفر خدمة الصرف الصحي الآمن لنحو عشرين أسرة على مدار الساعة.
تعد استير واحدة من ملايين الأفارقة المستفيدين من ثورة هادئة لوسائل التعامل مع الصرف الصحي، ويعمل الكثير من الباحثين الجامعيين والمنظمات غير الربحية والشركات عبر القارة بشكل متزايد على برامج متعلّقة بالاستفادة من تلك المخلفات، وتساعد بدائل بسيطة ومفيدة في الوقت نفسه على مكافحة الأمراض والتدهور البيئي ضمن دول متعددة، مثل غانا واوغندا وكينيا وجنوب أفريقيا، بينما تعمل مؤسسات كبيرة على معالجة مياه الصرف، والاقتصاد بنسبة صرف المياه المهدورة في هذا الجانب، وتحويل النفايات الصلبة الى وحدات السماد البايولوجي المفيد للزراعة ووحدات توليد الطاقة الكهربائية.
 
صعوبات وحلول
العالم المتقدم عمل على الانتفاع من أنظمة الصرف الصحي الناقلة للمياه، كما يوضح جوز فان ديرينت، مدير التنمية لدى مؤسسة سافي سانا الاجتماعية الهولندية، بيد أن أنظمة المجاري الكبيرة تستنزف وقتا وأموالاً ضخمة لبنائها؛ ومن خلال الاستخدام المختلط والمضر لتلك الشبكات  مع شبكة مياه الأمطار ثم تسربها الى مياه الشرب، تزداد الصعوبات على منشآت المعالجة لتصفية المياه من خليط الفضلات وتحويل الأخيرة الى أنظمة المعالجة الصلبة.
لكن الواقع هو أن هذا ما تفعله سافي سانا في العاصمة الغانية أكرا، حيث يحوّل معملها 25 طنا من رواسب المجاري، و15 طنا من الفضلات العضوية الى طاقة كهربائية وسماد عضوي كل يوم، إذ تأتي النفايات من وحدات دورة المياه العامة، لتنتقل الى محطات خاصة بتفريغها من خلال وحدات ضغط وشافطات أهلية، وتأمل المؤسسة أن تنتهي هذه العمليات الى توفير مياه الري للمزارع القريبة.
بالعودة الى نيروبي، توفر ثلاثة آلاف دورة مياه عامة موزعة بين 11 حيا شعبيا تابعا لمشروع “الحياة الجديدة” خدمات صرف صحي نظيف لنحو 130 ألف فرد يوميا. وبالنسبة لأسثير، تمثل هذه العملية تعزيزا لمصلحتها التجارية، فضلا عن أن تجاربها وخبرتها عبر دروس وبرامج مفيدة لطيف من اقتصاديات الدول النامية من الهند الى المكسيك، التي تحتدم فيها أيضا تحديات الصرف الصحي.
تقوم شركة سانيرجي المتخذة من العاصمة نيروبي مقرا لها بتصنيع وحدات دورة مياه مشروع “الحياة الجديدة” وتسلم إدارتها الى أشخاص مثل اسثير وفقا لمعايير تقوم على تأمين الصحة والسلامة للسكان مع ضمان مردودات مالية للقائمين على الإدارة مقابل شروط حفظ النظافة، وينقل عمال الشركة النفايات الى منشأة خاصة بالمعالجة البايولوجية، ويوضح شارون كيبوثو، مدير العلاقات الخارجية بالشركة أن الفضلات التي تتحلل لاحقا الى سماد عضوي يتم التخلّص من المخلفات الصلبة في أراضٍ خاصة لهذا الغرض، لكن شركة سانيرجي تجري أبحاثها لتحويله الى منتج نافع أيضا في مجالة الطاقة.
 
عملية تجاريَّة
يكلّف تصنيع وحدة دورة مياه واحد لمشروع “الحياة الجديدة” 500 دولار، ويتم تأجيره الى أمثال اسثير بمبلغ يصل الى تسعة دولارات شهريا، وهو مقدار يمكن استرجاعه بسهولة من خلال ما يدفعه الناس عند استخدامهم لدورة مياه، فعلى امتداد القارة الأفريقية، لا يملك أكثر
من 700 مليون فرد وسائل ملائمة للصرف الصحي، وهذه المشكلة شجعت شركة سانيرجي على بيع سمادها العضوي بمبلغ 35 سنتا للكيلوغرام الواحد وأصبحت تبيع طعام الحيوانات بدولار للكيلو غرام، لكن مع ذلك، كان عليها أن تتوقف لتعيد تقويم مشروع الصحة العامة 
للناس.
ولا يزال راندال، من كيبتاون، يصمم مخططات لهذا المسار باتجاه تحقيق ضمان صحي أكثر يقابله مردود مالي جيد، حيث يعمل راندال في مختبر يجري عملية استخلاص اليوريا من المجاري ومن ثم يمكن استخدامه لانتاج ما يطلق عليه الطابوق الحيوي، ولأجل تحقيق انتقالة جديرة بالاهتمام بنظافة وحدات دورات المياه الخارجية، قام بوضع علامات دالة على تلك الوحدات داخل مراكز التسوّق ودور السينما؛ وكان عليه أيضا الحرص على توفير خدمات مياه إضافية لتحقيق مكاسب مادية بشكل أوثق، وبدلا من بناء منزل بسيط بطابوق بايولوجي، يأمل راندال بتصنيع منتجات عالية الجودة، فسماد اليوريا المركز الذي يسعى لانتاجه يمكنه جلب ما مقداره 12 دولارا للتر الواحد، إذا ما بيع كسماد تخصصي لأغراض وتطبيقات 
محددة.
 
مضاعفة الأعمال
في الوقت نفسه، تعمل شركة سانيرجي على التوسع في نشاطاتها، فقد وقعت مؤخرا اتفاقا مبدئيا مع ثالث أكبر مدينة في كينيا، كيزومو، وتتوقع نصب أول وحدة اقتصادية لدورة مياه هناك خلال العام الجاري؛ كما أطلقت الشركة حملة تثقيفية من خلال فرعها الاستشاري لتوعية المدن عبر القارة بأهمية استخدام دورات المياه الاقتصادية، وكذلك تشجيعهم على تقييم مستوى الخدمة المقدمة، وتنفيذ حلول الصرف الصحي غير المرتبط بخطوط المجاري 
العامة.
الرحلة ليست سهلة لهذه الشركات، فالشوارع داخل بعض أحياء نيروبي ضيقة جدا، لدرجة لا تدخل معها سيارات النظافة وتلجأ البلديات الى العربات اليدوية، وقد سار فان ديرينت ومؤسسته في طريق وعر منذ انطلاقها بتطوير أفكارها قبل عشر سنوات، وكان التحدي الأكبر له هو منافسة نموذج العلاج السائد الذي يتضمن “فعل لا شيء”؛ ومع ذلك فهناك ثقة بنموذج مؤسسة سافي سانا الهولندية التي تتطلع الى استكشاف شراكات مع دوائر البلدية في مالي وأوغندا، بالارتباط مع منظمة أخرى تركز اهتمامها على العمل بدورة مياه مدينة كوماسي، ثاني أكبر مدينة في غانا، كما تعمل على تطوير مشروع سيعمل على تحسين معالجة الفضلات في تلك
المدينة.
النماذج التي “تستخلص القيمة النافعة من السلسلة تمثل المستقبل،” كما يقول فان ديرينت، الذي ينوه بوجود رغبة متزايدة بشراكة أكثر قابلية للتكيّف من الأنظمة التقليدية، فبالنسبة لعالم يتحوّل منذ قرون من استخدام دورة مياه 
متدفقة، سيكون بحاجة الى تلك المرونة، وتسعى أفريقيا لفتح الطريق 
لذلك.
 
مجلة أوزي الأميركية