مناورة ترامب في السودان قد ترتد بآثار عكسية

بانوراما 2020/10/31
...

 ترجمة وإعداد: الصباح

على السطح قد تبدو افتتاحية ترامب في لعبة السودان نصراً دبلوماسياً، إذ أعلن الرئيس الأميركي في الاسبوع الماضي ان إدارته سوف ترفع اسم الدولة الأفريقية من لائحة الولايات المتحدة للدول الراعية للارهاب التي بقيت قابعة فيها طيلة 27 عاماً. هذا بلا شك خبر طيب للسودان لأن الصفة المذكورة كانت حائلاً بينه وبين أي تعامل دولي يستخدم الدولار كما تقيد قدرته على اجتذاب الاستثمارات الاجنبية والمساعدات والقروض.

في يوم الخميس الماضي كان لدى ترامب خبر آخر يعلنه، فالسودان سوف يدفع مبلغ 335 مليون دولار كتعويضات لأسر الضحايا الأميركيين جراء الهجمات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في 1998، والمدمرة “يو أس أس كول” في العام 2000، إذ كان للسودان في تلك الأيام دور مهم في استضافة شبكات المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة.
في وقت لاحق أكد محافظ البنك المركزي السوداني ان الأموال جرى تحويلها بالفعل وأنها بانتظار الصرف.
رحب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك برفع الوصمة عن بلده معتبراً ذلك جزءاً من عملية التحول الديمقراطي وخلع الإرث الدكتاتوري، وفي نهاية الاسبوع الماضي استضاف السودان وفداً من محكمة الجنايات الدولية للتداول في سيناريوهات محاكمة الرئيس السابق عمر البشير على أعمال الابادة والجرائم ضد الانسانية.
لكن ثمة هدية مختلفة عن هذا كله يضمرها البيت الابيض، إذ يتوقع ترامب وحلفاؤه ذوبان الجليد في السودان الذي سينتهي بتطبيع الخرطوم علاقاتها مع اسرائيل.
فعلى مدى الأشهر الماضية كان الجدال قائماً بين الدبلوماسيين سراً حول افضل التوقيتات والكيفيات التي يستطيع بها السودان الالتحاق بركب حفنة الدول العربية التي اقامت علاقات رسمية مع اسرائيل، وقد كان للامارات العربية دور في الوساطة والتوفيق بين الخرطوم وواشنطن لاجتذاب السودانيين الى درب التطبيع.
الرمزية هنا لن تغيب عن الأريب، ففي العام 1967 استضافت الخرطوم ابرز وجوه الجامعة العربية الذين أعلنوا قرار اللاءات الثلاث في اعقاب الحرب العربية الاسرائيلية، وهي: “لا سلام مع اسرائيل .. لا اعتراف باسرائيل .. لا تفاوض مع اسرائيل”.
على مر العقود تغير الموقف بالتدريج ولكن السودان بقيت عدواً مجاهراً لاسرائيل يمد الجماعات المتشددة بالعون والمساعدات للعمل ضدها. 
القادة العسكريون الذين حلوا محل البشير اظهروا في مناسبات عديدة انهم حلفاء مقربون من الإمارات والسعودية، وفي السنة الماضية مكنت المساعدات المالية التي ارسلتها الانظمة الملكية النفطية الغنية الحكومة السودانية المؤقتة من الصمود امام حركة الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية.
كتب “جان بابتست غالوبين” من “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” قائلاً: “كانت اعادة السودان اصطفافه دولياً سريعة للغاية، ففي ظرف اقل من سنة خسر المؤيدون لقطر وتركيا في الخرطوم أي دور سياسي لهم، في حين اتاح الدعم المالي السعودي والإماراتي للجنرالات فرصة حاسمة للالتفاف على المطالبات الشعبية بقيام حكم مدني كما خلق توازن قوى مختلا سمح للجنرالات باجتياز مخاضة الحراك الشعبي.»
التحول الديمقراطي الذي يحاول السياسيون المدنيون من امثال حمدوك توجيه مساره لا يزال محفوفاً بالمطبات، ومن الاسباب المهمة لذلك سلسلة الأزمات الجديدة التي ابتلي بها هذا البلد الذي مزقته الحروب.
لقد جاء رفع السودان من القائمة في لحظة حساسة يعاني خلالها السودان ضعفاً اقتصادياً شديداً، إذ ارتفع التضخم الى 200 بالمئة وشحت المواد الأساسية، مثل القمح والوقود.
الطوابير على مخازن الطعام ومحطات تعبئة الوقود صارت تمتد أحياناً لمسافة أميال، وفي غضون ذلك تسببت اسوأ فيضانات على مدى قرن بتشريد ملايين الناس وتدمير 
الغلال.
اغلاق الحدود المرتبط بالجائحة كان هو الآخر سبباً بحدوث انخفاض جسيم في الصادرات ورفع نسبة البطالة.»
قد يتخذ القادة المدنيون السودانيون قراراً حاسماً بشأن اسرائيل في وقت لاحق، ربما عقب الانتخابات في 2022.
كتب المحلل “يوناتان توفال” في صحيفة هآرتز قائلاً ان استخدام ادارة ترامب ثقلها لدفع السودان كرهاً الى تطبيع علاقاته مع اسرائيل بأسرع وقت قد تجرئ طرفين هما العسكريون من جانب والاسلاميون من جانب آخر، لأن ذلك سيعزز القبضة الحديدية للطرف الأول على الأمن القومي في حين يساعد الطرف الثاني على حشد المعارضة الشعبية تحت 
رايته.
يعتقد توفال بأن طريقة ادارة ترامب في لي ذراع السودان تحمل معها مجازفة تقويض العملية الديمقراطية الهشة في ذلك البلد وتقوية موقف العسكريين على حساب المدنيين اصحاب المصلحة الحقيقية، وهذا سيقوي جاذبية الجماعات الاسلامية ويؤدي في نهاية المطاف الى اخماد أنفاس العلاقة بين اسرائيل والسودان ويحكم عليها بالموت 
مبكراً.
يعبر الخبراء في واشنطن عن الأسف لتغافل ترامب عن التحول الديمقراطي الأعمق الذي يشهده السودان، يقول “روبي غرامر” من مجلة “فورن بولسي” ان الدبلوماسيين والمسؤولين المعنيين في وزارة الخارجية لم يشركوا في المحادثات عندما كان البيت الأبيض وحلفاؤه يدفعون السودانيين كرهاً نحو اسرائيل.
يقول “زاك فيرتين” من معهد بروكنغز ان ادارة ترامب قد ابتزت نظاماً ديمقراطياً غضاً خدمة لغاياتها السياسية الداخلية. 
يتحرك ترامب ضمن حيز زمني ضيق، ولكن بعض مراقبي الشأن السوداني يأملون ان يتغير هذا النهج.
كتب “كاميرون هادسن” من مؤسسة “أتلانتك كاونسل” يقول قد يكون تصرفاً حسناً من الادارة خلال الفترة القصيرة المتبقية قبل الانتخابات ألا تجعل تحرير السودان من قائمة الارهاب مجرد كسب دبلوماسي من جانب واحد او تبرئة أخرى لخطة السلام في الشرق الأوسط، بل أن تتخذه كخطوة صوب قضية أكبر هي قضية التحول الديمقراطي السلمي في القرن الأفريقي وما وراءه.
ذلك سيكون خروجاً من الادارة عن نهجها المعهود الذي لم يعد يبالي بنشر الديمقراطية، كما انه رد، ولو صغير، على من يقول إن الاستقرار لدى واشنطن يعلو على الديمقراطية .
 
* إيشان ثرور/ عن صحيفة واشنطن بوست